انفجر الوضع في قابس منذ الإعلان عن نتائج مناظرة الانتداب في المجمع الكيميائي يوم 18أكتوبر. وقد كانت شرارة التوتر إشاعة مفادها أن أغلب الناجحين من معتمدية «الحامّة». لكن سرعان ما تبيّن أنّ الأمر لا يعدو أن يكون إشاعة. وقد نتج عن هذه الاحتجاجات غلق الطريق الرئيسية رقم1وسدّ المنافذ المؤدية إلى مدينة قابس. ورافقت هذا الغلق مواجهات بين المحتجين والشرطة بلغت إلى حدّ توافد المحتجين على مقرّ الشرطة،ومحاولة اقتحامه. ومن احتجاجات متفرّقة تطوّر الأمر إلى إضراب عام في «وذرف» وبوشمّه» و«النحّال». وفي الأثناء أكّدت إدارة المجمع الكيميائي أن المناظرة تمت على أساس مقاييس واضحة هي الشهائد والأقدمية والوضعية الاجتماعيّة،وعدد الأبناء...لكن ازدادت حدة التوتر،وتصاعد الاحتقان بعد أن أعلن الأهالي عن غضبهم من كلام صدر عن بعض أعوان الأمن وفيه مس بأعراض الأهالي رغم اعتذار مسؤولين أمنيين وإعلان استعدادهم للتحقيق في المسألة. ويبدو أن الشباب الغاضب نسي نتائج المناظرة وتمسّك بمتابعة بعض الأعوان الذين أساؤوا التعبير.
وفي حلّ ارتأته السلط الجهوية لتهدئة الأجواء جاء الإعلان عن حظر التجوال يوم الأحد21 ليدخل الشباب الغاضب فيما يشبه المبارزة واستعراض العضلات بين المحتجين والشرطة وسجلت المدينة خرقا متواترا لحظر التجوال يعبّر من خلاله الشباب عن استنكاره لما صدر عن بعض الأعوان.وقد أصدر الاتحاد الجهوي للشغل بيانا دعا فيه إلى عقد جلسة عمل عاجلة مع الحكومة للنظر في موضوع نتائج المناظرة ،وفتح تحقيق حول بعض التجاوزات الأمنية لكنه في المقابل دعا إلى المحافظة على المكاسب العامة والممتلكات الخاصة.وصدر عن الحزب الجمهوري بيان بتاريخ 19أكتوبر دعا فيه إلى اعتماد منوال تنمية في قابس يستجيب لطموحات أهل المدينة وينبع من خصوصياتها.
وجاء تدخّل السيد حمادي الجبالي رئيس الوزراء في إذاعة خاصة في إطار البحث عن تهدئة الخواطر إذ أشار إلى أنه سيزور قابس في شهر نوفمبر ليستمع إلى مشاغل المواطنين وليبحث سبل تجاوز الهنات التي رافقت الإعلان عن النتائج.لكن يبدو أن تدخّل السيد رئيس الوزراء وتركيزه على مناطق بعينها دون أخرى جعل نمن أهالي النحال و«البْلَدْ» يحتجون عن تجاهل مطالبهم فعمدوا إلى إعلان إضراب عام يوم الثلاثاء23 أكتوبر.
وفي تصريح إذاعي أعلن السيّد «حمادي الجبالي» رئيس الحكومة نيته زيارة مدينة قابس في الشهر القادم واعدا بالاهتمام ببوشمة وغنوش وشاطئ السلام. فاحتجت «البلد» و«النحال» ودخلتا في إضراب عام.
وتعيش مدينة قابس منذ إعلان حظر التجوّل مواجهات في أماكن متفرقة من المدينة ليلا تعمد فيها قوات الأمن إلى استعمال الغاز المسيل للدموع.وقد توافد على المستشفى الجهوي جرحى من أعوان الشرطة ونسوة تضررن من تسرب الغاز إلى المنازل.وتعرّض مقرّ رئاسة الجامعة إلى محاولة اقتحام أسفرت عن تهشّم بلّور الواجهات الأمامية.وسجل السجن في قابس محاولة حرق سرعان ما تمّت السيطرة عليها .وتسربت إشاعات عن إصابة في صفوف المساجين لكنّ الأمر لم يتجاوز إضرام نار في حشيّة داخل السجن نجح الحراس في إطفائها.
وليلة الثلاثاء تعرّض شاب إلى إصابة مباشرة في عينه اليمنى إذ مناوشات حدثت بين محتجين وأعوان الشرطة وقد نُقِلَ الشاب إلى «صفاقس» لإجراء عمليّة جراحيّة.وقد اعتدى أعوان الأمن على مصوّر قناة الحوار رغم حمله لكاميرا تشير إلى اسم القناة.وقد تم تعنيفه وتحطيم الكاميرا.
لقد أصبح المركب الكيمائي في قابس الذي يشغّل الآلاف من أهالي قابس في وضع صعب. فالجمعيات البيئية ندّد بالجرائم التي ارتكبها في حق البيئة والحياة في قابس وتطالب بإبعاده عن المدينة.والشباب العاطل عن العمل من جهة أخرى يريد أن يقع انتدابه تعويضا عن هذا التلوث.
ويبدو أن المشكل يكمن في التواصل ،وفي تبليغ المعلومة. إذ كان بالإمكان تجنّب حالة الاحتقان و التوتر عبر تشريك الاتحاد العام التونسي للشغل في كلّ مراحل إعداد هذه المناظرة التي ينتظرها عديد من أصحاب الشهائد في مدينة قابس.وكان بالإمكان حرصا على الشفافية وإنارة الرأي العام التمهيد للإعلان عن النتائج بندوة صحفية جهويّة أو وطنيّة توضّح فيها مقاييس الانتداب وطريقة احتساب الأعداد.فالمناظرة أعدت بالأساس حسب الملفات ولا دخل لمكان الإقامة في مقاييس الانتداب.ويطالب كثير من المحتجين أن يقع توزيع الوظائف المتناظر عليها حسب المعتمديات بالعدل. وسوء الفهم هذا لطبيعة المناظرة هو الذي فجّر الأحداث..