لم يكن مشهد حضور رئيس الحكومة المؤقتة السيد حمادي الجبالي أول أمس الجمعة 2 نوفمبر 2012 في الافتتاح الرسمي للدورة 29 لمعرض تونس الدولي للكتاب، غريبا عن التونسيون ومشاهدي التلفزة الوطنية بالخصوص اذ عاش التونسيين على مدى ربع قرن تقريبا، نفس الصور النمطية التي كانت تروّج للحاكم والنظام السابق عموما، على أساس أنه نظام يؤمن بالابداع ويقدّر الكتب والكتاب. ولكن ما انكشف بعد 14 جانفي 2011 من خلال وثائقي بثته التلفزة الوطنية ذاتها، ان الحاكم او الرئيس السابق لم يكن «قارئا» او حتى مطلعا على الكتب التي كان يجمعها، في مكتبه. وتبيّن ان الكتب والمكتبة في قصره الرئاسي لم تكن سوى مجرد ديكور مثلها مثل حضوره افتتاح كل دورة من معرض الكتاب.
إن مشهد حضور رئيس الحكومة المؤقتة في افتتاح معرض الكتاب لا يكاد يختلف في شيء عما كان يحدث خلال فترة النظام السابق عند افتتاح مثل هذه التظاهرة بدءا من مرافقة أعضاء الحكومة للرئيس وفي مقدمتهم وزير الثقافة وصولا الى طقوس الترحيب بالطبل والمزمار وابتسامة الرئيس العريضة التي كان يوزعها مجانا كلما تركزت عليه كاميرا التصوير. وإذا كان الحاكم السابق«سريعا» في زياراته الثقافية خصوصا وفي مقدمتها افتتاح معرض الكتاب اضافة الى عدم استقباله بالطبل والمزمار فإن رئيس الحكومة المؤقتة الحالي لم يبخل على المناسبة بمدة زمن اضافية توقف خلالها وبشكل خاص، عند الجناح السعودي الذي استقبله ب«البخور» و«الشاي» و«الدقلة الملبسة» قبل ان يمنحه درع المملكة العربية السعودية التي ترفض الى الآن تسليم الرئيس السابق الى السلطات التونسية.
كنا نتمنى مشهدا او صورا مختلفة عما ألفناه طيلة فترة النظام السابق في مثل هذه المناسبات كأن يقلل المسؤولون في الحكومة وفي مقدمتهم رئيسها من حشر وجوههم في مثل هذه المناسبات الثقافية التي تستوجب على الأقل النأي بالثقافة والإبداع عن كل ما هو رسمي وسياسي خصوصا أن حادثة قصر العبدلية التي لم تجد دعما من الحكومة مازالت آثارها عالقة في أذهان المبدعين والرسامين بالخصوص. فكيف يجرؤ من ظلم المبدعين على الظهور بمظهر المؤمن بالابداع والداعم للكتب والكتاب؟
ولماذا لم يتحرّك المسؤولون الذين حضروا حفل افتتاح معرض الكتاب حين وقع الاعتداء على المبدعين والكتّاب والمفكّرين وعديد المعالم الثقافية والحضارية مثل الأضرحة والزوايا؟
لماذا لم يكلف هؤلاء أنفسهم قليلا من الجهد لزيارة المعتدى عليهم. إن حضور افتتاح معرض الكتاب من قبل مسؤولي الحكومة المؤقتة وفي مقدمتهم رئيس الحكومة لا يمكن ان ينسي المبدعين ما تعرضوا إليه من اعتداءات خلال فترة حكم هذه الحكومة لأنهم يدركون جيدا شأنهم شأن جل التونسيين أن هذا الحضور الاعلامي بالخصوص ما هو الا دعاية سياسية.