احداث العنف أيا كان ضحاياها هي بمثابة صيحة فزع حقيقية فتحت أعين المجتمع على بدايات تشكل ظاهرة جديدة لم تالفها بلادنا على مر العقود الماضية ، صحيح ان مجتمعنا كغيره من المجتمعات يعرف مظاهر للجريمة وحتى المنظمة منها وصحيح ان الدولة مارست في مرات عديدة عنفها القمعي ولكن ان يتحول الامر الى عنف بين التونسيين فيه الكثير من الحقد الأيديولوجي والعمى السياسي فهو امر مستجد فيه الكثير من الخطورة لانه يضرب في الصميم الألفة وحالة الانسجام وسلوك التسامح الذي ميز شعبنا وجعله مضربا بين الامم في التعايش السلمي والحضاري على مر العصور. ان احداث العنف التي تواترت في اكثر من جهة واكثر من حي وبين اكثر من فئة او تيار او انتماء سياسي لا يمكن ان تجد لها تبريرا ولا يمكن ان يكون لها أيضاً مريدون او مدافعون، انها احداث آثمة لا بد من إدانتها والتشهير بها وبمرتكبيها ولا بد أيضاً من الوقوف سدا واحدا لإيقاف نزيفها وكبح إرادة الفتنة التي تحتكم اليها وكشف خيوط التآمر المحيطة بها وفضح الجلباب الحاقد الذي تتخفى وسطه وبين ثناياه والسعي الجماعي إلى وضع آليات وطرق ومناهج لعلاج أسبابها والتوقي من خطر مزيد تكرارها بيننا.
ان ما حدث في دوار هيشر وما حدث قبلها في تطأوين وسليانة وبئر علي بن خليفة والمتلوي وسيدي بوزيد وأمام السفارة الامريكية كلها احداث مؤسفة لانها خلفت ضحايا هم مواطنون تونسيون تركوا وراءهم لوعة حارقة لدى عائلاتهم وأسرهم وبين أصدقائهم وفارقوا بلدهم الذي هو في حاجة الى كل طاقة والى كل جهد من جميع أبنائه وبناته.
انها صفارة إنذار في وجه الفاعلين السياسيين لكي يكفوا عن تعنتهم وان يفتحوا أبواب الخير والبناء لهذا الوطن بعيدا عن كل تآمر او تطاحن او صراعات هامشية او تكالب على السلطة او استدعاء للفوضى والمحارق والآلام والجراح لكسب نقاط سياسية او انتخابية.
ان ما حدث أشبه ما يكون بكرة الثلج التي كلما تدحرجت ازداد حجمها ووزنها وعلا خطرها وفقدت التمييز بين من قد يقف في طريقها. كفى، ورب ضارة نافعة وتعالوا الى كلمة سواء بينكم ديدنها حب الوطن وتغليب المصلحة الوطنية عما عاداها من المصالح والمغانم الفئوية والشخصية والحزبية والسياسية الضيقة.
كفى قبل ان تسقط كرة الثلج ، عفوا كرة النار, على رؤوس الجميع وتلتهم الاخضر واليابس وعندها قد لا ينفع ندم ولا تصلح خطط او برامج او سياسات للتهدئة والإنقاذ.