تتالت في الآونة الأخيرة صيحات الفزع التي يطلقها عدد من العاملين والموظفين بشركة «الخطوط التونسية» خوفا على مصير مؤسستهم وعلى مصير أكثر من 8000 موطن شغل توفرها خاصة امام ما يصفونه ب«تهاون سلطة الاشراف» في الرد على مطالبهم وفي التحاور معهم. كان حصول الخطوط القطرية مؤخرا على رخصة استغلال المطارات والأجواء التونسية في اطار «الحرية الخامسة» النقطة التي أفاضت الكاس في توتير العلاقة بين جانب كبير من العاملين ب«الخطوط التونسية» من جهة وسلطة الاشراف ممثلة في وزارة النقل والادارة العامة للطيران المدني من جهة أخرى. وقد زادت هذه الاتفاقية في الرفع من حدة الاتهامات التي تواجهها الحكومة التونسية بالسعي لتدعيم علاقاتها بدولة قطر ولو على حساب المصلحة الوطنية أي على حساب واحدة من اكبر الشركات الوطنية في البلاد وهي الخطوط التونسية .
عشوائية وغير مدروسة
منذ الثورة تشهد العلاقة بين الطرفين المذكورين التوتر تلو الآخر جراء ما يعتبره جانب من العاملين بالخطوط التونسية والنقابات الممثلة لهم «مساعي من بعض الأطراف لعرقلة السير العادي لنشاط المؤسسة ومزيد اغراقها في وضعيتها المالية الصعبة بسبب اتخاذ اجراءات عشوائية وغير مدروسة وتهدّد ديمومة واحدة من المؤسسات العريقة ببلادنا». ويطالب هؤلاء بمراجعة الاجراءات والقرارات غير المدروسة والتي تمس من ديمومة الناقلة الوطنية باعتبارها تعاني من صعوبات اقتصادية ورثتها عن النظام السابق على حد ما ذكره ل«الشروق» السيد كريم اللومي (قائد طائرة بالخطوط التونسية وعضو نقابة الطيارين) .
قادرة على المنافسة... لكن
أضاف المتحدث أن وزارات الاشراف بالغت في المدة الاخيرة في ابرام الاتفاقيات التي «تضرب الخطوط التونسية في مقتل على غرار منح التراخيص لشركة سيفاكس آرلاينز لاستغلال 7 رحلات بين تونس وباريس وابرام اتفاقيات مع شركات طيران أخرى (منها ترانسافيا) في اطار برنامج «السماوات المفتوحة». وشدد اللومي على أن المنافسة بشكل عام لا تقلق الخطوط التونسية فهي ناقلة عملاقة ولها قدراتها وأوراقها التي تلعبها لتُنافس كبريات الناقلات الوطنية.
غياب الشفافية
المشكل حسب المتحدث هو أن وزارة النقل ومن ورائها الادارة العامة للطيران المدني تتسرع في ابرام هذه الاتفاقيات دون تشاور مع الخطوط التونسية. وأكثر من ذلك فوزارة النقل على حد قول محدثنا تقدم في البداية الوعود بعدم اتخاذ القرار لكنها تتخذه في ما بعد بشكل سري ثم تعلن عنه بطريقة مفاجئة بعد أن يصبح من تحصيل الحاصل دون ان تكلف نفسها عناء الاستماع لآراء وانتقادات النقابات. «كان عليها تجنب مثل هذه الممارسات الغريبة (القرارات الفوقية والسرية والمفاجئة) وكان عليها التصرف في اطار الشفافية وتجنب التلاعب والطرق الملتوية في التعامل مع ادارة الخطوط التونسية ونقاباتها ..كان عليها مزيد الانتظار حتى تتحسن الاوضاع والتوازنات المالية داخل الشركة وتسترجع عافيتها ثم تبرم في ما بعد مثل هذه الاتفاقيات»، يقول كريم اللومي.
مرفوض منذ 2002
كانت الهيئة العامة للطيران المدني القطرية قد أفادت مؤخرا بحصول الخطوط الجوية القطرية على رخصة استغلال المطارات والاجواء التونسية في اطار الحرية الخامسة (اتفاق بين بلدين على تنظيم ناقلتيهما الوطنيتين رحلات الشحن والركاب من والى مطارات أخرى انطلاقا من مطارات البلدين المتفقين) بناء على اتفاق تم توقيعه في سنة 2002. غير أن السلطات السابقة رفضت تفعيله لما يسببه من مضرة فادحة للخطوط التونسية، وفق ما أكده لنا كريم اللومي، متسائلا، «لو كانت في هذا الاتفاق بين تونس وقطر مصلحة لقامت السلطات السابقة بتفعيله منذ ابرامه في 2002 فلماذا تصر السلطات الحالية على تفعيله رغم ما فيه من تهديد واضح للخطوط التونسية. فهو سيؤدي الى التخفيض من أرقام معاملات الخطوط التونسية باعتبارها غير قادرة في الوقت الحاضر على مجابهة منافسة الناقلات الجوية العملاقة في اطار الحرية الخامسة ؟».
هل يتراجع الهاروني؟
خلف تفعيل هذا الاتفاق لدى العديد من موظفي وعملة الخطوط الجوية التونسية امتعاضا وتململا باعتبار أن الخطوط القطرية تفوق كثيرا الخطوط التونسية من حيث القدرات التنافسية (تكاليف الاستغلال لدى القطرية منخفضة بسبب انخفاض اسعار الوقود في قطر الدعم المستمر الذي تلقاه من أمير دولة قطر الذي يتولى هو نفسه اقتناء الطائرات وتجديد أسطول الشركة مرور الخطوط التونسية حاليا بوضعية مالية صعبة).
وحسب ما تسرب من معلومات فان وزير النقل عبد الكريم الهاروني قد يكون عبّر للادارة العامة للخطوط التونسية عن «أسفه» لتفعيل هذا الاتفاق وقال في الآن نفسه إن العقد أبرم مع الجانب القطري ولا يمكن التراجع فيه لكنه وعد على ما يبدو بأن سلطة الاشراف ستتعاون في المستقبل مع نقابات الناقلة الوطنية ومع ادارتها عندما يتعلق الامر بابرام مثل هذه الاتفاقيات الهامة والحساسة .
الاصلاح أولا
ختم السيد كريم اللومي بالقول إن نقابات الخطوط التونسية تتمسك بضرورة الغاء هذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات الاخرى التي لا تتناسب والوضع الحالي للخطوط التونسية. وقال إنه لا بد ان تمر سلطة الاشراف (وزارة النقل) وكذلك الحكومة في أسرع وقت ممكن الى تنفيذ خطة الاصلاح الهيكلي والمالي داخل الناقلة الوطنية واعادة الثقة للعاملين فيها وطمأنتهم على مصير مؤسستهم (خاصة طمأنتهم بعدم التفويت فيها وبعدم خوصصتها مثلما يتداوله البعض). وعندما يحصل ذلك يمكن في رأيه ابرام جميع انواع الاتفاقيات التي لن تزيد الخطوط التونسية الا اصرارا على تطوير خدماتها في اطار ما سيحصل من منافسة خاصة ان لها «احتياطيا هاما» من القدرة التنافسية قادرة على تفعيله في أية لحظة شريطة استيفاء لوازم الاصلاح الاخرى العالقة .