سل نفسك يا من آذيت غيرك بالعلم الذي تعلمت، والى أعلى المناصب وصلت، وعلى الصهوة النخبوية ركبت، سألت، ولكل السجلات فتحت، لم أجد، في كل الأزمنة، أحدا أتى بمثل ما أنت به أتيت. أراك فهمت يا من للحقيقة تجاهلت واليها أدرت ظهرك وعنها ابتعدت ولها كتمت. لما السكوت، يا من للحقيقة علمت، ومن يكون الساكت عن الحقيقة...؟ لا أقولها...، أرى أنك فهمت، فاللوم، كل اللوم على من علم الحقيقة وعنها سكت، أراك فهمت ما قصدت وأرى أنك ذهلت... نعم ذاك الذي امتطى النخبة وبكل الاشياء ادعى أنه عليم، وبالتاريخ عالم وعليم، وبمجرد الامتحان تبين أنه عقيم ولا يفقه شيئا بما ادعى أنه به عليم، نسي أن للتاريخ نقشا لن يأتي عليه الدهر ولا السنون، سؤالي لكم يا من عن اتهامي لكم تلومون وعن توضيحي للحقيقة بالحجج الدامغة تتقززون... هل ان للمحطات التاريخية تقويما واحدا أم عدة تقاويم؟ أم من كتب التاريخ دونه بميزاجه أم على هواه كما أراكم تفعلون، وبما جلكم ولا أقول كلكم تدعون...؟؟
تمعنوا ولصفحات التاريخ راجعوا... هل أن لبداية التقويم الهجري تقويم غير الذي به نقتدي، أي أنه ابتدأ من يوم خروج الرسول (صلى ا& عليه وسلم)، وللهجرة المباركة اهتدى، لا يوم رجوعه الىمكة منتصرا فاتحا. والحجة الثانية، يا من أراكم لأنفسكم تراجعون ولما أقدمتم عليه نادمون... قلت وللحجة الثانية لي فيها ما أذكر به لكونها جلية الحقيقة وأكثر من البيان المبين، تقويم ميلادي، كل من في الكون له عالمون وبه يهتدون وله حاسبون بمثل ما أنتم تعدون.
أبيوم رفعه افتتح التقويم الميلادي أم من يوم ميلاده عليه التسليم؟
نعم، هو كذلك، ولا يكون الجواب الا بما علمتم وبما أنم موقنون.
الآن، وبعد الوقوف عند المحطتين الأبرز في التاريخ، والاستدلال بهما في كيفية كتابة وقراءة التاريخ، أسأل السؤال الصعب إجابته كما أراها عندكم رغم وضوحها وضوح الشمس في رابعة النهار، وأريد الإجابة مباشرة من كتاب وصناع التاريخ، أي النخبة في تونسنا العزيزة. هل تحس بقشعريرة بذلك كما أحسها عندما تذكر بنزرت في ذات قصيد «وعن بنزرت نبغي الجلاء»، حين تصفحك للمحطات الهامة في تاريخ تونسنا الحبيبة، وهل تفيض عينيك دموعا عند ذكر «صفاقس» مهد المجاهدين الاحرار والنقابيين الذين ضحوا بأرواحهم ودافعوا عن المضطهدين في الشمال الافريقي ومنها الى كل العالم... في الحقيقة، كل شبر في بلادي يزخر بما هو أهل للدفاع عن تونس كل من موقعه...
فبالله عليكم ألم تكن سيدي بوزيد جزءا لا يتجزأ من هذه الأرض الطيبة المعطاء، أرض تونس الخضراء، وكتب لها أن تكون الشرارة الأولى لثورة السابع عشر من ديسمبر المجيدة، ثورة الكرامة والحرية..؟ لماذا أردتم قلب التاريخ برمته، على أن تحرموا واحدة من جهاتكم من حق لا أحد منكم تطاوعه نفسه، إن كانت في نفسه ذرة من الوطنية أن ينكره عليها، وإذا كان بحق ذا وطنية لا تزعزعها الجهويات الهدامة المرفوضة عند كل ذي عقل مستنير... رجائي كل الرجاء ان تختبروا ما تبقى من وطنيتكم، أقول ما تبقى، وفي ذلك استنادا على ما أقدمتم عليه من تجاوز لكل المعايير الكونية في كتابة وصياغة التاريخ، وهذا يعني ان الوطنية التي تدعونها تضمحل وتتآكل، وهذا الاستنتاج ستتأكدون من صحته عند كل واحد منكم يلقي على نفسه هذا السؤال.
أليست سيدي بوزيد عريقة الجذور في هذا الوطن الذي أنتمي اليه؟
الأكيد أنكم سوف تفقون على الجواب الذي لا أحد منكم يمكنه التملص منه هو أنكم تنكرتم ولوطنكم خنتم ما دمت أنتم كتاب التاريخ وحفظته وله أقررتم وذلك لإعطاء واحدة من جهاته الحق الذي علمتم وهذا لعمري لا يكون الا جحودا لا يأتيه الا فاقد للوطنية الصادقة والصحيحة التي لا تتزعزع ولا تتبدل ولا تتلون بتدبل وتلوّن الجهات. وددت لو لم أجد منكم هذا الموقف ولا أقول الذي قلت وذلك لاحترامي لكم فأنتم الاسوة في بلدي ولو لما بجسامة الأمر أحسست فلم أقو عن كتمان ما به من طرفكم شعرت فقلت الذي قلت «فعفوا إن كنت للتعابير بالغت ومن الألفاظ ما بها لمحت وبها بيّنت مقصدي فأسغت فعفوا سيدي سيدتي إن كنت مني اتخذت موقفا وزعلت. في الختام، ما أطلبه من كل تونسي هو ان يطرح على نفسه السؤال التالي: لو لم يكن 17 ديسمبر هل كان ليذكر 14 جانفي ولو لمجرد ذكر؟ أرى أن كل واحد منكم قد اهتدى للجواب الذي به يكون قد اقتنع بأن لا يذكر تاريخ ثورته الا بتاريخها الصحيح.