لم يسلم الإعلام من الاتهامات الكثيرة التي توجّه بها رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي الى «المناوئين» للثورة، هؤلاء المناوئون هم بحسب المتحدث، إلى جانب وسائل الإعلام، أحزاب سياسية وشخصيات وطنيّة تعتمد سياسة الأرض المحروقة. من جهة أخرى توعّد الجبالي في حوار أدلى به لصحيفة يوميّة جزائريّة (الشروق) التكفيريين قائلا «هم يحاولون التأثير على هذه الفئات المحرومة والشابة بتلك الأفكار الدخيلة. وتأكد أن الكثير منهم خريجو سجون مع احترامي لهم وأفكارهم بعيدة عن المجتمع حتى اللباس والشكل والخطاب مغاير للمجتمع التونسي. هذه الأنماط غريبة ولا يجب فرضها عليه بالإكراه». مضيفا «لا نريد أن نخسر الوقت في التعامل مع العنف. من يخرق القوانين ويحرض على العنف أو يلجأ إلى العنف نقول له لا ونطبق عليه القانون بصرامة».
ويأمل حمادي الجبالي الذي يستعدّ لزيارة دولة الجزائر قريبا في تطوير العلاقة بين الجزائر وحركة النهضة «بعد فشل محاولات الدس بينهما» بحسب قراءته الشخصيّة. وفي ما يلي أبرز ما ورد في حوار رئيس الحكومة :
السيد الجبالي من يتابع ويشاهد وسائل الاعلام التونسية يعتقد أن تونس تحترق الآن هل هي كذلك؟
نريد أن يزورنا في تونس من يشاء من السياسيين والصحفيين ليروا الحقيقة بأعينهم، ويروا التضخيم الإعلامي لما يحدث، وهذا اعتبره نتيجة الانفجار في الحريات بما يحمله من سلبيات وايجابيات. كل ما يحدث الآن في تونس، هو إفرازات ما بعد الثورة فالمطالبات الاجتماعية في أعلى مستوياتها، فبعد الكبت لسنوات طويلة تكلموا بتلقائية وبعنف في كثير من الأحيان. لذلك ترى الآن مسيرات ومظاهرات واجتماعات، وهي إفرازات ما بعد الظلم والكبت وهي تفاعلات تختلف من موقع إلى موقع.
من يقف وراء هذا التهويل والتضخيم لما يسمى بأحداث السلفيين، كان يمكن أن تعالج في سياقها؟
البعض كان يهيئ الصفحات الأولى للجرائد التونسية في 23 أكتوبر، والتي كانت تحت الطبع لعنوان كبير ‹›تونس تحترق››، كانت صفحات معدة لكن لما لم يحدث شيء غيروها في آخر لحظة. مع الأسف الصورة المنقولة ليست حقيقية وهي مضرة بتونس وبالثورة، وتساهم في الإضرار بالسياحة وبالتجربة الديمقراطية التي يمكن أن تعطي أملا لشعبها وتتيح مجالات الاستثمار.
وسائل الإعلام التونسية تتحدث عن مؤامرة يقودها تونسيون للإجهاز على الثورة، والإجهاز أيضا على تجربة حركة النهضة في مهدها، وورد اسم رئيس الحكومة السابق قايد السبسي كمتورط؟
خارجيا صعب أن نتكلم عن تآمر أو إفساد للمناخ التونسي أو الوضع الداخلي، لم أر ولم ألمس تآمرا خارجيا ضدنا لأن مصلحتنا مصلحتهم، والتقاء المصير والمصالح يجعل اخواننا لا يكنون سوى الخير لتونس، مصلحتهم مرتبطة باستقرار تونس حتى أوروبا وأمريكا ليس لها مصلحة في زعزعة الوضع في بلادنا.
الرابح هم المتشددون والمسلحون والفوضويون داخل تونس، أنا أؤكد أن الكل متفق أن تونس لديها فرصة للاستقرار، لكن هنالك حسابات ضيقة وأكثرها شخصية وايديولوجية ورهانات مصلحية كبيرة تحاول إعاقة هذه الفرصة.
بعض التقارير تحدثت عن تورط أسماء ثقيلة في تهديد أمن تونس والتآمر على استقرارها ومنهم رئيس الحكومة السابق قايد السبسي؟
دون ذكر أسماء، للأسف هناك من يريد الردة والرجوع الى الوراء الى حكم الفساد، والاحتفاظ بالمصالح الاقتصادية والفئوية، هم لا تهمهم تونس بل يمكن ان يغيروا شعاراتهم، يريدون فقط الحفاظ على النفوذ والمصالح، وهنالك خصومة ايديولوجية ناتجة عن فقدهم الثقة والأمل في البروز عن طريق الديمقراطية والصندوق، لذلك يراهنون على سياسة الأرض المحروقة.
السيد الجبالي لتكن صريحا مع الشعب التونسي، من هؤلاء الذين يتآمرون على أمنه واستقراره؟
هم أحزاب وشخصيات أيضا من دعاة الفوضى والتأزيم وإدخال البلاد نحو المجهول، وإشاعة الفوضى لأنهم وفق النمط الديمقراطي المؤسساتي المستقر يرون أنفسهم أكبر الخاسرين.
لكن لماذا تتركون بعض فلول نظام بن علي، في بعض مراكز القرار إلى يومنا هذا؟
نعم بالفعل هم موجودون لأن ثورتنا بصراحة لم تكتمل بعد، لم نعهد في العالم أن تكتمل الثورات في المنظومة الفكرية السياسية الاجتماعية والاقتصادية بهذه السرعة.
هل في نيتكم تصفيتهم قريبا؟
التصفية ليست بالمعنى المادي لأن تونس ليست في وضع يخول لنا أن نصفي بعضنا البعض، إننا في ثورة إصلاح وليس في ثورة تصفية، نحن في ظروف سياسية وجغرافية خاصة جدا، والثورة ماضية في إصلاح الإدارة والأمن والاقتصاد والتربية، ونحن على بعد سنة ونصف فقط من الثورة، الناس تريد إصلاحا سريعا للأوضاع لكن الإصلاح يكون تدريجيا. فعلى مستوى الإدارة لا نتصور أن نترك كل الإدارة على طابعها مثلما تركها بن علي، لكن يجب التحسين والإصلاح هنالك صراع وسباق ضد الزمن لا يمكن معه أن نفعل كل شيء إلا بالتدريج.
هل تخشون ثورة مضادة؟
على مستوى المصطلح ليس هنالك ثورة مضادة ولكن ردة عن الثورة، يمكن أن يفعلوا أشياء مفسدة لما تحقق من انجازات، ويحاولون التعطيل والعودة بالشعب الى الوراء، حيث المظالم والدكتاتورية، ولكن هذا مستحيل.
لكن المواطن التونسي اليوم، مصاب بحالة اليأس من الطبقة السياسية كلها بما فيها حركة النهضة؟
من احد الفنون الخبيثة للمناوئين للثورة تأزيم الوضع إلى درجة أن الشعب يصبح يقول «كنا لاباس في وقت بن علي»، صحيح لم تكن هناك حريات سابقا لكن على الأقل كان يوجد أمن. صحيح فيه مظالم لكن لا يوجد إنفلات أمني مثلما يحصل اليوم.. هذا الذي يريده أعداء الثورة. لكن الأمر مؤقت يحتاج الى تضافر جهود الجميع لأن الشعب حسم آمره، وقال منذ البداية لا للعودة الى الوراء، نعم للإصلاح لكن العودة إلى الوراء لا. الآن في بعض الإعلام عندنا يحرصون على نشر صورة بن علي وزوجته، ويتكلمون عمّا قام به بن علي ويظهرون عهده انه عهد انجازات اقتصادية، لا أظن انهم قادرون على إقناع الشعب بشيء من ذلك
البعض يتهمكم أنكم تحمون السلفيين المتطرفين خاصة وان هذا التيار استقوى تحت جناحكم السياسي؟
ليس صحيحا ما يقولون، أولا الذين يمارسون العنف ليسوا بسلفيين ولكن دعاة غلو، السلف هو السلف الصالح وهو من أهل السنة، أما هؤلاء فأصحاب غلو تجدهم في اليمين وفي اليسار.
الجميع يقول إنهم سلفيون وهم يصفون أنفسهم بذلك كيف تنزع عنهم هذه الصفة؟
أنا لا أريد أن أركز على المصطلح.
لكنكم متهمون في النهضة بدعمهم؟
هم يقولون إن النهضة هي السبب في ظهور واستقواء التيار السلفي، متى حدث هذا هم كانوا موجودين في زمان بن علي، لما منعت حركة النهضة وكان الفراغ مهولا في الساحة.
هل تقصد أن نظام بن علي هو من صنعهم ليحارب النهضة؟
بالتأكيد، والدعاية الخارجية والقنوات توفرت وكذلك التربة كانت خصبة من المظالم. ووجدوا ضالتهم اليوم لأن هنالك حرية رأي وتنقل، هناك وفود من الخارج تأتي للتدريس والخطابة بالمئات هذه الظروف أوجدتهم وليس حركة النهضة، لأن النهضة مستقرة في تونس منذ عقود لكن هذه الأفكار بعيدة عن المجتمع، حتى اللباس والشكل والخطاب مغاير للمجتمع التونسي، هذه الأنماط غريبة عن الشعب التونسي ولا يجب فرضها عليه بالإكراه.
ماذا يزعجك في خطابهم.. هم أحرار؟
أنا في بعض الأحيان استمع إلى بعض خطبهم استغرب الكم الهائل من العنف حتى في أشكالهم وقسمات وجوههم، هؤلاء يغلب على حياتهم اللون الأسود المتشائم، هم يبحثون عن الإكراه والنظرة السوداوية حتى في الحياة.
لماذا لا تتركونهم ينتظمون في أحزاب مثل باقي التونسيين؟
منهم من انتظم ومنهم من رفض الأحزاب والديموقراطية وحكم الشعب، هذه منظومة فكرية وليس الخطر في المنظومة الفكرية، الخطر لما ينتقل من القول الى الفعل، وبسرعة من يضيق قلبه بالرأي المخالف، قلنا لهم من يمنعكم من النشاط السلمي لم تفرضون على الناس الإكراه وهم يرفضون، والأخطر في ذلك الإدعاء أنه من الإسلام.
يقولون إنهم يسعون لتطبيق الشريعة؟
هم يسعون لتطبيقها بالعنف والقوة حتى في حركة النهضة، هناك من يسعى وينادي بتطبيق الشريعة لكن ليس بالقوة. هل تطبق الشريعة بالقوة؟ الشريعة هي شرعة الله. هم لم يروا سوى قطع اليد بينما الشريعة هي العدل والقسطاس والوسطية.
قلت بعض أفراد النهضة فقط يطالبون بتطبيق الشريعة، هل تخلت الحركة عن ذلك بوصولها الى السلطة؟
الشريعة عندنا أن تكون هنالك حريات ومساواة، أليس من شريعتنا ذلك؟ أليس فك قيد الناس وتحريرهم من الاستغلال من ديننا؟ هل هذه قيم غربية أم إسلامية؟ أن ننزع عن الناس الاغلال ونقيم العدل بالقسطاس.. هذه هي شريعتنا وشرعتنا.
يجب التفريق بين الظواهر الفكرية والدينية في إطار حريات التعبير، فنحن لا نريد أن نستعمل الحقيقة المقدسة في السياسة، ولا يجب أن يستحوذ عليها فرد او طرف ما، حتى نحن في النهضة نقول لا نتكلم باسم الإسلام، نحن حزب ذو مرجعية دينية نريد ان نكون حزبا اجتماعيا ولا نحتكر الدين لأنفسنا فقط. لذلك نفرق بين صنفين، من يعبر عن رأيه في إطار القانون وهذا لا مشكلة معه. والخطر قادم من تكفير الناس واحتكار الكلام باسم الله، ونحن نفرق بين الموقفين، وعندما تنتقل إلى استعمال العنف هذا هو الخطر.
أكيد لديهم مطالب.. ماذا يريدون؟
مع الطرف الأول نسعى للمعالجة عن طريق الحوار والحجة والإقناع والرد، لكن مع الطرف الثاني الذي يسعى لتطبيق الحدود في الشارع والعمل محل الدولة والسلطة، هنا لا أسلوب آخر سوى الصرامة والصد مهما يكلفنا ذلك، لأن بهذه الأساليب تنتفي كل أشكال الحياة معهم.
نسبت الصحف التونسية تصريحات مكذوبة لعبد العزيز بلخادم، يهدد فيها بتدخل الجيش الجزائري في الشأن التونسي.. من وراء هذه التسريبات؟
بعض الأطراف عندنا تنتهج سياسة الأرض المحروقة، وهم مستعدون لإفساد العلاقات مثلما حدث مع ليبيا، حينما طالبوا بقطع العلاقة معها وهم يسعون للتشويش وهم لا يعرفون حتى التركيبة في الجزائر، ويقولون ان الجزائر غير مرتاحة لفوز النهضة ولن تسكت الى غير ذلك من الدسائس.
هل تقصد ان هناك من يسعى لإفساد العلاقات الثنائية.. ولماذا؟
هم يستغلون كل الوسائل لإفساد العلاقات ولإفساد هذه التجربة، هم يقولون إسقاط الحكومة ولكن مقصودهم محاولة إفساد التجربة التونسية. ويريدون إفساد العلاقة أيضا مع تركيا وقطر بدعوى أنها استعمار جديد، ويزعمون أن حركة النهضة تسيء لعلاقة تونس مع الجزائر، والغريب أن هذه التسريبات المسيئة جاءت في وقت حساس بعد تشكيل الحكومة الجزائرية.
هذه ليست من الطبيعة الجزائرية والحمد لله الرد جاء سريعا، وأنا متأكد أن علاقة الشعوب والدول أقوى من الصراعات الداخلية. الجزائر تقول انها غير معنية بما يحدث داخليا، هي مهتمة بحدودها وأمنها وهي أذكى بكثير مما يتصورون وأنا أعرف المنطقة جيدا.
هل جنى العنف المسلح على الإسلاميين في الجزائر في رأيك؟
نعم، افقد ثقة الشعب حتى من تعتبره خصما، هذا وضع داخلي ومترابط يجب ان ننظر إلى التجربة الجزائرية بصبر، بعيدا عن التعجل يجب أن نعتبر من التجربة الجزائرية.
هل بعد ثورة عارمة وحكومة شرعية تصدق أن شخصا ما يستطيع ان يحكم تونس، مع احترامي للغنوشي، بل انظر حتى داخل الحركة هل يحكم الحركة لوحده، انا كنت رئيسا للحركة وفي بعض الاحيان اجد نفسي وحيدا في التصويت، الغنوشي ايضا في اغلب الوقت له صوت في المكتب التنفيذي ليس أكثر.
اذا حدث ان اتخذت قرارا واعترض عليه الغنوشي ماذا تفعل؟
يمشي القرار إلى مجلس الوزراء ويمر عبره فقط، وقلت لهم في اول لقاء ان المجلس يشتغل بالتصويت لهذا أي واحد من النهضة له موقف عليه ان يدافع عنه في مجلس الوزراء.