تعطّلت أوجه الحياة وانكمش المواطنون وراء أبواب منازلهم مبكرا خوفا على حياتهم وأرزاقهم التي باتت مهدّدة في كل لحظة بسبب غياب الأمن الذي يبقى صمام الأمان، والكفيل بالحفاظ على أرواح المواطنين. ولعلّ الغريب في الأمر أن عون الأمن ذاته بات خائفا وغير قادر عن حماية نفسه وعياله بعدما كان يحمي المواطن من كل أنواع التجاوزات. وهذا الواقع الذي انتشر في كل أنحاء البلاد انجرّ عنه نوع من الارهاب وذلك بفعل تطور العنف السياسي الذي بات يهدّد لا المواطنين فحسب بل السياسيين في حدّ ذاتهم، وهو أمر خطير لم يسبق أن عاشته البلاد أو عرفته حتى في أحلك الظروف التي مرّت بها.
ولعلّ هذه الظاهرة التي ارتسمت في كل الجهات كانت وراء جملة من المظاهر التي مسّت كل أوجه الحياة، فتعطل الاقتصاد وانكمش رجال الأعمال وفسح المجال أمام التجاوزات ومن أبرزها ارتفاع الأسعار لكل المواد الاستهلاكية الأساسية.
أسباب الانفلات الأمني
تجمع العديد من الأطراف التي تحدثنا إليها في هذا الموضوع أن الانفلات الأمني الذي استشرى في البلاد يعود بالأساس الى ضعف الحكومة والى ضبابية قراراتها وأيضا الى نوع من الكيل بمكيالين في مواجهة الانفلات الأمني، ويشير هؤلاء أيضا الى جملة الصعوبات التي عرفها جهاز الأمن في حدّ ذاته والى ما شقّه من انقسامات نتيجة التنظيم النقابي الذي شهده القطاع لأول مرة في التاريخ.
وهذا الواقع قاد الى جملة من المطالب الأمنية التي يعتبرها البعض ضربا من المغالاة ومن تعجيز الحكومة، وهو ما قاد في جوانب منه الى ضعف مقصود للأمن تحت أسباب مختلفة لعل من أهمها مطالبة أعوان الأمن بتغطية سياسية لنشاطهم وقانونية تحميهم من التتبعات العدلية التي طالت العديد منهم.
ويؤكد العديد ممّن تحدثنا إليهم في هذا الموضوع مظاهر ضعف الأداء الأمني وما نتج عنه من انفلات وتجاوزات ليس وليد الساعة بل هو مظهر تكرّس منذ اندلاع ثورة 14 جانفي 2011 وتواصل بل تعمّق شيئا فشيئا مع حكومة الغنوشي وقائد السبسي، ليأخذ مع حكومة الجبالي و«الترويكا» شكلا أعمق مع اختلاط مظاهر بين ما هو إجرامي وسياسي واقتصادي.
ويؤكد هؤلاء على أن تفجر العنف واستفحاله قد زاد تفاقما عندما عولجت عديد القضايا بشكل اعتباطي وعندما لم تأخذ وزارة العدل والقضاة الأمر مأخذ الجد، وعندما لم يعاقب الجناة طبق القانون، بل أصبحوا يمرحون ويطلق سراحهم مباشرة من قصر العدالة أياما بعد اقترافهم لأعمال إجرامية.
وقد فسّر هؤلاء الأمر بتواطؤ بين وزارة العدل ووزارة الداخلية في التعامل مع مظاهر العنف، بل يذهب البعض الى الحديث عن أن معظم التجاوزات الحاصلة يمارسها ندهم ذراع السلطة وطابورها الاحتياطي الذي وظف قصدا لتلك الممارسات حتى يتلهّى المواطنون عن قضاياهم الحقيقية ويزرع في قلوبهم الخوف والرعب.
جليلة الفارسي (مربية): ليس هناك أمن في البلاد فالأمن قد فقد حيث أني كنت أسير في الشارع خائفة و«مرعوبة» حتى عند استعمال هاتفي الجوّال. لقد أصبحنا خائفين ولعل خوفنا يزيد عمقا مع ما ستكون عليه حياة أبنائنا وأحفادنا.
سعاد الحباسي (سيدة أعمال): الوضعية بدأت تميل الى السواد من حيث الابعاد الاقتصادية وحرية المرأة. كما أن الضبابية تتصل ايضا بطبيعة الحكم المنتظر وهو ما يخيفنا جميعا. لقد انتشر الخوف لدى المواطن وبات الواحد منا غير قادر على الخروج ليلا حتى في سيارته، ولعل الظاهر أن عون الأمن ذاته قد غاب على الساحة نتيجة اصابته بالخوف، وهذا يجرنا للحديث عن وزارة الداخلية ودورها الذي يجب ان يكون محايدا وبعيدا عن كل التجاذبات السياسية. لقد انعكس ضعف الأمن على كل مظاهر الحياة فتوجس المزودون وغابت الدفق السياحي وكلها مظاهر قد شلت الاقتصاد وسندفع ثمنها غاليا.
سامية الغدامسي (أديبة): عامل الأمن قد غاب وإذا ذهب الاطمئنان لدى المواطن فهو يفقد الثقة في كل شيء، ولعل الغريب أن عون الأمن ذاته قد أصبح خائفا عن حياته، والأمن يبقى لدى المواطن ضروريا ولا يمكن ان تتحرك دواليب الحياة الا اذا استتب. وهذا الواقع الذي طال جميع أوجه الحياة لا بدّ يؤخذ بعين الاعتبار في دستور البلاد ليؤكد مستقبل البلاد الذي لابد ان يقوم على استقلالية القضاء والأمن وكل مظاهر الحياة.
فاروق الخلفاوي (محام): الحكام الجدد باتوا يسعون الى انهيار الحكومة فالمنظومة الأمنية باتت مشوهة، وهكذا سنعود الى مرحلة الصفر حيث لا أحد محمي في هذه البلاد سوى الحكام الجدد.
هاني جغام (محتسب): الأمور غير مستقرة بالمرّة خاصة في ظل تطور الأوضاع الى الأخطر، فهناك بعض الأماكن التي يجب أن نتحاشاها.. لقد تكاثرت النقاط السوداء وهو أمر يبعث على الخوف ويدعو الى مزيد حضور الأمن لكي تعود الحياة الى سالف سيرها.
يحيى صابر الدويري (فنان): هناك عدم استقرار أمني غير واضح فهناك جملة من الممارسات الخطيرة التي باتت ظاهرة في الشارع وقد تعرضت شخصيا الى التعنيف وافتكاك جملة من الأشياء كالهواتف الجوالة و«شركة ذهب» مع تلقي اصابات خطيرة. هذه الظاهرة لا بدّ أن تتوقف بحزم أمني وبعيدا عن المغالاة في العمل السياسي وتكاثر الأحزاب دون فائدة.
ماهر المصمودي (موظف): لا بدّ من معالجة المنظومة الأمنية ووضع قانون أساسي ودسترة الأمن حتى يعمل أعوان الأمن بشكل آمن دون تتبعات عشوائية ويجب أن يتحمل كل عون أمن مسؤوليته ويدرك أن عليه أن يقوم بواجبه على أحسن وجه.
الصحبي الدقي (معلم): لا بدّ أن يتحلّى كل مسؤولي البلاد بالروح الوطنية والمسؤولية وبعدم التكالب على الكراسي الذي لا يدوم، فالمصلحة الوطنية يجب أن تكون فوق كل اعتبار، فوضع البلاد مازال غير مستقر وهو ما جعلني لا أحسّ بالأمان ولا التفاؤل، فالقدرة الشرائية تدهورت والخوف قد عمّ الجميع، فالدورة الاقتصادية تدهورت وهذا انعكس على حياة الجميع.