منذ يوم اغتيالك (وأصرّ على ذلك) والرغبة في الكتابة تحاصرني باستمرار إلى درجة العجز عن الكتابة في موضوع آخر، ربما هول المشهد كان السبب أو ربما النفس أو بعض منها صاحبك في احتفالية الملائكة بروحك الطاهرة تزفها إلى جنة الخلد حيث يستقر الشهداء بلا حساب ولا محاسبة... الآن وقد مرّ ما يقارب الشهر على رحيل روحك عن الحياة الدنيا أسمح لنفسي أن أخاطبك من الحياة الدنيا ومن رقعة صغيرة من الأرض معوّلا على رحابة صدرك وأنت هناك لتسمع قولي المرتبك كنفسي... الأوضاع هنا لم تتغير وكنت ولازلت شاهدا عليها بل هي ازدادت سوءا، القتلة ومن يقف وراءهم مازالوا أحرارا يكابرون ويكذبون وينكرون عليك الشهادة، يعود أحدهم إلى بيته كل مساء ويتناول العشاء مع أهله وينام هادئا مطمئنا... كل من ركلك لازال يمشي بنفس الرجلين في الشوارع مزهوا... كل من لكمك مازال يسلّم على الناس بنفس اليدين... كل من شتمك مازال يخاطب الناس بنفس اللسان... كل من حدّق فيك وأنت مطروحا أرضا مازال ينظر في المدى بنفس العينين...هكذا علموهم وعلى ذلك درّبوهم فأين العجب؟... الذي قال أن سبب الوفاة سكتة قلبية والذي قال أنك بدأت بالعدوان والذي صمت والذي... كلّهم شهود زور، منهم من أمضى عيد الأضحى مبتهجا مع أولاده بعد أن أدّى صلاة العيد في ملعب كرة أو في بطحاء مهجورة ولم يفكر وهو ساجد أو قائم في حال أبنائك الستة في تلك اللحظات... أيّة قلوب لهم في الصدور... عميت قلوبهم وقلوب من حرّضهم ومن برر فعلهم... ضاق بي النثر أيّها الشهيد ولم يبق لي من ملاذ سوى الشعر... ثمّة رجل في تونس اليوم مات ثمة سقف انهار على الشمس وعلى ما أحاط بها من النجمات ثمة عصافير هناك ضاقت بهم السماء وبكت بحضرتهم الحياة.... القتلة من غبار المرحلة والراحل من روح الكلمات والشهود زور كلهم هذا ما يقتضيه المشهد و التعليمات... ثمة رجل في تونس اليوم مات الشجرة ما اهتزت خوفا وما تساقطت من أغصانها الورقات غير أنّ العصافير بكت لمّا رأت للموت أنصارا من كلّ الجهات... قال أحدهم ما كان عليه أن يكون هناك أو كان عليه أن يكون حذرا ولا يقتفي أثر الفراشات... ثمة رجل في تونس اليوم مات وأنكر عليه موته حرّاس الزوايا
والظلمات فصبرا جميلا يا كلّ الأحبة لكلّ سقوط دائما بدايات...