لا ريبَ أنَّ سترَ العُيوبِ والذنوب والأخطاء نعمةٌ من نِعَمِ الله الجليلةِ على عِبادِه .. فلو أنه عزَّ وجَلَّ أبْدَى عُيُوبَ الخلقِ لفَضَحَهم وهَتَك أسْتارَهم وكَشفَ عوراتهم ولكنّه جلَّ جلالُه أرحمُ الراحِمين، ويُمهِلُ العاصي والشاردَ والغافل؛ فلا يريد أن يَفضَحَ عِبادَه؛ بل يريدُ أن يتوبَ عليهم ليتوبوا، فإن تابوا وأنابوا عفَا عنهم وصفح، فغَفرَ سيئاتهم وتجاوز عن هفواتِهم، فالله أرحمُ بالعَبدِ من نفسِه؛ فكم مِن مَوضعٍ للمعصيةِ تهافتَ العبدُ عليه فسَترَه الله.ولولا فضلُه ورحمتُه لصارَ كثيرٌ من الأنقياءِ مَفضُوحِين بين النّاس تتبعُهم الهمزاتُ والطعنات، وتُلاحِقُهم اللعناتُ وتقذفهم أصابعُ الاتهامِ بالحق والباطل. فالعاصي اذا انكشفَ أمرُه ضاقَتْ عليه الأرضُ بما رَحُبَت، وتبرَّأ منه الأقربُون وتجنَّبَه الناسُ أجمعون.
قال صلى الله عليه وسلم: «انَّ الله عزّ وجلّ حَيِي ستِّير يحبّ الحياء والستر». (رواه أبو داود والنسائي وأحمد) الله سبحانه سِتِّير يحب الستر ويستر عباده في الدنيا والآخرة.
يستر الجراثيم التي تحيط بك من كلّ جانب في جوّ الهواء حتّى يمكن لك أن تتمتع بالأكل والشرب والملبس وغير ذلك... فمثلا لو أظهر الله تعالى الميكروبات في كأس الماء لما استطعت أن تشرب منه ولو جرعة ؟ أو أظهر ما في ملبسك من حشرات لنزعته؟ أو بيّن لك ما في الأكل من جراثيم والله ما أكلت؟ لولا ستره للملائكة والجنّ الذين هم من حولنا لما استطعنا العيش بأمان؟
الله يحب الستر فلماذا اليوم نهتك هذا الستر؟ هل فكّرت يوما كيف يكون العالم بدون ستر الله لنا؟ ماذا لو كانت للذنوب روائح تخرج منا على قدر معاصينا؟ ماذا لو كتب على جباهنا المعصية التي ارتكبناها؟.. حتما كثيرا من الخراب سيحل بنا.لا شك أن الحياة ستتوقف. ستر جميع الذنوب والمعاصي بالتوبة بمجرّد نيّة التوبة يتوب عليك ولا يفضحك حتّى وان كنت مصرّا على المعصية لا يفضحك من أوّل وهلة.
سرق أحد الرّجال فأخذوه الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال الرّجل: أقسم بالله هذه أول مرة، فقال عمر : كذبت ان الله لا يفضح عباده من أول مرة. ولقد تبيّن أنّ هذا الرجل قد سرق العديد من المرات. ومن ثمرات ستر الله لعبده يوم القيامة:
1 يسترك يوم القيامة: عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا الا ستره الله يوم القيامة.»(رواه مسلم) 2 يستر عورتك ولا يفضحك: قال صلى الله عليه وسلم: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة. (رواه ابن ماجه) 3 الستر ثوابه الجنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه الاّ أدخله الله بها الجنّة». (رواه الطبراني) وقال صلى الله عليه وسلم: «يدنو أحدكم من ربّه فيقول: أعملتَ كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرره، ثمّ يقول: انّي سترتُ عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم». (رواه البخاري). وعن العلاء بن بذر قال:لا يعذب الله قوماً يسترون الذنوب.
وفي حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أي للمنافقين: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الايمان في قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من يتبع عورة مسلم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه الله ولو في جوف بيته». (أخرجه أحمد وأبو داود)