«في هذه الدنيا ما يستحقّ الحياة.. نعيش نعيش ويحيا الأمل» اشتاق العالم إلى رائحة لحم الفلسطيني المشويّ المنبعثة من تحت أنقاض التفجيرات. واحتاج كثير إلى هذه الورقة الموضوعة تحت الطاولة، وجُرْعَة «الأوكسيجين» المشتركة بين الأعداء، التي أبّدت حكاما عربا. ومهّدت من خلال بشاعة الموت، لنظام دوليّ جديد.. لقد وقع الاختيار على هذا الشعب المُحْتار كَيْ يكون أيقونةَ الموت.. في كلّ زمان يُزَفُّ.
بمعدّل مضبوط، إلى محرقة تُنذِر بالجديد. وتُؤسّس لقادم مِنْ وراء البحار.. وما «غزّة» التي تحترق. الآن وغدا، إلّا إخراج جديد للعبة «جيوسياسيّة» قضت بأن تجتمع فيها مصالح مستثمر غربيّ انتهازيّ صيّادُ فرص، وسمسار عربيّ في سوق اللحم المحترق يبيع كلّ شيء من أجل وهم الجاه و السلطة.
«إسرائيل» كالعادة تهزأ بعرب الخيبة. وتدعوهم إلى أن يشربوا من البحر الأحمر أو الميّت. وتقول لهم بعد أن خبرت حبالهم الصوتيّة و«فسولة» الفعل لديهم: جنّدوا شعراءكم كي يرثوا موتاكم واملأوا الساحات بمليونياتكم أيام الجمعة وبأغانيكم الحماسيّة. وارتدوا فيها أزياءكم العسكرية واحملوا بنادقكم الفارغة.. ثمّ امشوا في جنازة موتاكم وتوعَّدوا العدوّ دائما بانتقام لا يأتي.. لقد خبرت آلتها العسكرية قدرات هذه الأمّة الإنشائيّة. وخطب زعمائها الحماسية الملتهبة. فقديما كانت مصر «تبارك» كلّ ما يفعل هذا الكيان.. وهي الآن على عهدها تضبط حدودها، وتترك أحلام الدولة العبريّة تُرْسِي بلا إزعاج.
أمست «إسرائيل» على يقين بأن العرب أصيبوا منذ مدّة «بالألزايمر» السّياسي الذي جعلهم يفقدون ذاكرتهم البعيدة والقريبة. وهي مقتنعة. أكثر من أيّ وقت مضى، بأنّ هؤلاء الذين يفتخرون بأجدادهم في صحراء الوهم، «ظاهرة صوتيّة» لا يتقنون إلّا تبادل الاتهامات. وتوزيع تهم الخيانة على بعضهم البعض، في عمليّة جلد ذات غريبة.
الحقيقة الثابتة والغائبة عن أذهان الذين يؤمنون بالصّدفة. ويدفعون مراكب سياستهم حسب ما تشتهي الرياح. هي أنّ «إسرائيل» قادرة على أن تضرب في كلّ مكان. وفي أيّ دولة عربيّة. مهما استعدّت لعدوانها وتحصّنت. وبات أكيدا أنّها تملك عملاء. على الأرض، يسهّلون عمليّات الاغتيال التي تنفّذها بدقّة وحرفيّة. وهي تختار طريقة التنفيذ. بمعزل عن الظروف الدوليّة. والإكراهات التكتيكيّة التي تفرض أحيانا على هذه الدولة العبريّة أن تُوقف مسلسل الاغتيالات وفق الأجندا التي وضعتها. وهي تُسوّق للحلفاء وللأصدقاء أنّ ما تزرعه من موت هو مجرّد ردّ فعل. و دفاع عن كيانها المهدّد.
الحقيقة المرّة، إذن، هي أنّ «إسرائيل» تحدّد هدفها بدقّة. وتختار الوقت المناسب للانقضاض على الموعود بالموت. والأرض العربيّة مكشوفة عند الإسرائيليين يتحرّكون فيها كما يحلو لهم، وسيان في ذلك دول الاعتدال أو دول الممانعة بما أنّها تملك القدرة على الضرب في كلّ مكان.
لقد قرأ العدوّ تاريخ العرب جيّدا. وأدرك من ثناياه أنّ الجدّ «عبد المطّلب» وقف أمام «أبرهة» القادم لهدم الكعبة، وطلب إليه أن يعطيه ثمن نُوقٍ قتلها جيشه. ولما سأله عن البيت المقدّس أجابه «للبيت ربّ يحميه». وكثيرا ما تباهى عرب النكبة بحكمة الشيخ الذي أنقذته «طيور الأبابيل»!!!
الآن وإزاء هذه اللعبة الجيوسياسية الكبرى. ما على الفلسطينيين الموعودين بالموت الذي ما إن يخطئهم يوما حتى ينزل إليهم من الحنفيّة أو من شفرة هاتف نقّال هديّة مسمومة من أخ أو طعنة من عدوّ، إلّا أن يحذروا زبانية «جمهورية غزّة الإسلاميّة» وسماسرة «الولاياتالمتحدة الفلسطينيّة في رام الله».
هؤلاء الذين يتصدّون للشاشات رافعين شعارات النصر، وهم في الأصل واجهة الموت وسماسرة البيع.. وما بقاء البعض منهم أحياء إلى حين إلّا هبة إسرائيليّة. ولعبة سياسيّة سرياليّة معقّدة.
على الفلسطيني المسكين الذي يُرْجَمُ حيّا، ويُحْمَلُ إلى محرقة أكبر من طاقته أن يجيب عن هذه الأسئلة الحارقة بعيدا عن نظريّة المؤامرة أو السقوط في العنتريات التي ما قتلت ذبابة:
مَنْ حرّك جبهة غزّة الآن؟ وهل قُدّر على الدم الفلسطيني أن يكون دائما ورقة المناورة. وجسر العبور إلى محطات جديدة. وتحالفات جديدة ؟وما العلاقة بين الدم الفلسطيني المهدور في غزّة وبين ما يدور في سوريا؟
هل تغيّر شكل الموت وطعمه في زمن الربيع العربي؟وماذا سيجني الفلسطيني المحروق. ماضيا وحاضرا ومستقبلا، من الرحلات السياحيّة الاستعراضية التي تقوم بها الوفود العربيّة لمعاينة الخراب، وتسجيل مواقف سياسيّة ؟؟
أين كانت دموع الفلسطينيين ومعاناتهم حين تسلّلت «ليفني» إلى فراش الخديعة تُقَايِضُ خدمة الوطن، بوهم الفحولة عند عرب الصحراء والبعير؟؟ خلاصة النكبة: في محرقة سابقة تساقطت حمم النار على «غزّة» بعد نهاية رحلة «ليفي القصيرة إلى القاهرة.. وفي هذه المحرقة الجديدة نفثت الطائرات حممها بعد زيارة قام بها «الشيخ حمد» إلى غزّة.. فهل الصدفة وحدها حكمت بأن يكون «التاريخ في ظاهره لا يزيد على الإخبار لكنّه في باطنه نظر وتحقيق»