مرت اتفاقية الشريك المتميز بين تونس واوروبا في خضم الأوضاع الإقليمية المتوترة من خلال العدوان الصهيوني على غزة وفي ظل أوضاع داخلية متشنجة خاصة بعد وفاة شابين في السجون التونسية بسبب إضراب الجوع، فكيف يقرأ السياسيون هذا الاتفاق وتأثيراته المستقبلية؟ بعد الاردن والمغرب أصبحت تونس تحظى بمرتبة الشريك المميز مع الاتحاد الاوروبي بعد التوقيع على الاعلان ببروكسال يوم 19 نوفمبر الجاري في اطار الدورة التاسعة لمجلس الشراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي وتهدف هذه الاتفاقية الى تحقيق اندماج اقتصادي تونسي اوروبي داخل الفضاء الاورو متوسطي اضافة الى مجالات حقوق الانسان والبناء الديمقراطي والتربية والتكوين علما وان تونس أمضت اتفاقية الشريك العادي مع اوروبا سنة 1995 وتوقفت مفاوضات الشريك المميز آنذاك بسبب ملف الحريات والحقوق وتحركات المنظمات الحقوقية.
الاتفاقية الجديدة رفضها بعض مكونات المجتمع المدني والاحزاب السياسية وقال عنها شكري بلعيد أنها ستحول تونس الى مغازة عامة للمنتوجات الاوروبية باعتبار عدم قدرة الاقتصاد التونسي على المنافسة خاصة على المستوى الفلاحي .بلعيد ذهب ابعد من ذلك من خلال تأكيده على عدم احقية الحكومة الحالية بعقد اتفاقيات دولية باطلة. اما حمة الهماماي فقال «هذه الاتفاقية ستدمر الاقتصاد الوطني» واستشهد بالتجربة الصينية التي حمت اقتصادها وحافظت على تفتحها مع الخارج.
كما يرى خبراء الاقتصاد ان هذه الاتفاقية يمكن ان تضر الاقتصاد التونسي خاصة عند تحرير دخول المنتوجات الاوروبية والخدمات الى الاسواق التونسية وهي غير قادرة في الظروف الحالية على المنافسة وكذلك فتح الاجواء التونسية لشركات الطيران الاوروبي.
الانتظار
وزير الاقتصاد السابق السيد منصور معلى قال للشروق « مثل هذه الاتفاقيات تحمل النقاط الايجابية والسلبية ولذلك لا بد من توفير كل الاحتياطات والضمانات لانجاحها كما ان شروط الاتفاقية يجب ان تمتد لسنوات طويلة اكثر من مدة 12 سنة التي حددتها اتفاقية الشريك العادي سنة 1995 حتى يتمكن الاقتصاد التونسي من الاستعداد الجيد للمنافسة».
السيد منصور معلى طلب مزيدا من التوضيحات لاصدار تحليل نهائي حول الاتفاقية لكنه طالب بتشريك مكونات المجتمع المدني وخاصة الاحزاب والمجلس التأسيسي في المشاورات وبلورة الموقف النهائي باعتيار ان هذه الاتفاقية تدوم لسنوات وتمس كل فئات المجتمع. موقف السيد منصور معلى لا يختلف كثير عن موقف وزير المالية السابق حسين الديماسي الذي طالب بالتعامل بكل جدية مع الاتفاقية لانها يمكن ان تنعكس سلبا حسب رأيه على الاقتصاد التونسي غير القادر على المنافسة في قطاعات الفلاحة والخدمات وطالب كذلك بالتدرج في الموافقة على بنود الاتفاقية والقدرة على المنافسة. السيد الصحبي البصلي قال في نفس الموضوع «يندرج الاتفاق الجديد في اطار مواصلة التمشي للمرحلة الاخيرة التي توقفت لاسباب معروفة سابقا تتعلق بالممارسة الديمقراطية والحوكمة الرشيدة وملف حقوق الانسان اما اليوم وبعد ان دخلنا المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية اصبح الاتحاد الاوروبي داعما لنا ومنحنا مرتبة الشريك المميز».
البصلي اعتبر هذه المرحلة مهمة للمصلحة الوطنية ويعطي فرصة ليصبح منتوجنا مروجا في الاسواق الاوروبية والقطع مع الاسواق التقليدية فقط مثل فرنسا وايطاليا .كما اضاف البصلي « تفتح الاسواق الاوروبية يفرض على النسيج الاقتصادي التونسي مستوى معينا من المنافسة كما يفرض على رجال الاعمال والقطاع الخاص تطوير آليات عملهم فالمنتوج الاوروبي أكثر جودة واقل ثمنا حاليا وهي معادلة صعبة تضاف الى الازمة الاقتصادية الحالية ولا ارى اننا اليوم قادرون على تجاوزها لذلك لا بد من اجرءات كبرى تهم الدينار التونسي خاصة لكي يساهم في هذا الاندماج».
البصلي لم يعتبر المعاهدة خطرا على الاقتصاد من خلال تأكيده على القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني لكنه اكد في المقابل على التمسك بالحوكمة الرشيدة وتفعيل مناخ الانتقال الديمقراطي وبناء مجتع متفتح ومتطور خاصة انه لا مفر حسب رأيه من هذه الخطوة.