من أهم أسباب النصر طاعة الله والاستجابة لأوامره وعدم التفرقة: انتصر الصحابة على عدوّ الله وعدوّهم لأنّهم لم يتفرّقوا ولم يختلفوا والتفّوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال تعالى {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الحجّ 78) ومن الأسباب أيضا عدما للإحباط وسوء الظنّ: قال تعالى {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} (الحجّ 15) من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمد صلى الله عليه وسلّم حتّى يظهره على الدّين كلّه فليمت غيظا وليشدد حبلا في سقف بيته ثمّ ليمد الحبل حتّى ينقطع فيموت مختنقا. كذلك لمن كان يظنّ أن لن ينصر الله دينه.
الأخذ بالأسباب
ومن الأسباب أيضا الأخذ بالأسباب: إن بعض المعاصرين يصفون كل إنجاز معركة، معركة مع العمل، مع الإنتاج، مع التنمية فكلمة معركة تأخذ معنى واسعاً جداً، إن أردت أن تنتصر في أي معركة حقيقة أو مجازاً فلابد أن تأخذ بالأسباب، وأن تتوكل على الله. قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: «إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.» (رواه أبو داود) ينصرك على المرض، وينصرك في الامتحان، وينصرك حين تتقطع بك الأسباب ويتخلّى عنك الأحباب فتقول يا أالله، وقد ينصرك على العدو ، وقد ينصرك على كل معركة تخوضها بأوسع معاني المعارك ، فهو نعم المولى ونعم النصير.
ومن الأسباب أيضا الدعاء: الدعاء منهج الأنبياء ودأب الصّالحين وسلاح المؤمنين، هذا نبيّ الله نوح عليه السّلام من أولي العزم دعا ربّه فقال {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} (القمر 10) ولوطا عليه السّلام قال {رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} (العنكبوت 30) والمؤمنون حقّا مطالبون بعد أن يأخذوا بأسباب النّصر أن يقولوا {أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة 286) عندما تدعو الله وتقول: يا ناصر انصرني، يا نصير انصرني هو موجود ويسمع، ويقدر، ويحب أن يرحمك، فلا تقطع الأمل مهما حدث.وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدعو ربّه ويقول: «اللّهمّ أنت عضدي ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل.» (أخرجه الإمام أحمد وأبو داود واللّفظ له والترمذي وابن ماجة).
اليقين
ومن الأسباب أيضا اليقين: أعلم أنّ العدوّ مهما طغى وتجبّر وأراد أن يضرّك فلن يضّرك إلاّ أذى قال تعالى {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} (آل عمران 111) فاعلم علم اليقين أنّ العدوّ لن ينال منك. قال تعالى {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (إبراهيم 46) إذا كان العدوّ قويّا وجبّارا فالله أقوى. قال تعالى {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران 120) وقال تعالى {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران 160) فالله عليم به وبتدبيره، فقال {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا} (النّساء 45)
ومن الأسباب أيضا الثبات: قال الله {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} (الإسراء 74 و 75)
ومن الأسباب أيضا الصبر بدون تذمّر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وأعلم أنّ النصر مع الصبر.» (أخرجه أحمد والحاكم وهو جزء من وصية النّبيّ صلى الله عليه وسلّم لابن عباس) أصحاب طالوت لمّا برزوا لجالوت وجنوده {قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة 250) كذلك لابد من الابتلاءات حتى تفوز بالجنّة كما جاء في قوله تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (البقرة 214)
الصبر وعدم اليأس
لا تيأس من رحمة الله، فكلّما كنت مخلصا صادقا متبعا منهج الله فأعلم أنّك منصورا عاجلا أم آجلا كما تبيّنه الآية الكريمة {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (الأنعام 34) وقال {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (يوسف 110)
النّصير هو الذي يملك السماوات
قال تعالى {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} (البقرة 107) إنّ هذه الآية وغيرها تذكّر المؤمن أنّ النّصير هو الذي يملك السماوات والأراضين، وهو الذي يحي ويميت، وهو الذي ينفع ويضّر، فتزيده إلاّ يقينا بالتوكّل عليه.