نظّمت جمعية منتدى الحوار الحضاري ببنان مؤخرا لقاء مع حمّة الهمامي بصفته مثقّفا وكاتبا للحديث معه عن أعماله الفكرية في موضوع المرأة ولئن كان اللقاء ذا صبغة ثقافية فقد تخلّله الكثير من الحديث عن الراهن السياسي. الندوة حضرها ثلّة من الأساتذة الجامعيين وجمهور معتبر امتلأت به قاعة الاجتماعات بدار الثقافة ببنان رغم ما لاحظناه من نقص في الدعاية للتظاهرة ورغم تزامنها مع نشاط آخر للغرفة الفتية المحلية بنفس المكان واجتماع عام نظّمه حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي بجهة المنستير....هذه الملابسات التنظيمية أرجعها منظمو اللقاء مع الهمامي إلى محض الصدفة وإلى ضيق الزمن وكثرة التزامات الأستاذ حمّة الذي قال لنا إن تزامن الندوة مع الاجتماع العام لحزب المسار هو عفوي ولا يخفي أي إشارة أو موقف سياسييْن.
في ذات السياق التنظيمي حدّثنا السيد مراد بوبكر كاتب عام منتدى الحوار الحضاري أن جمعيته قامت بإلصاق مطبوعات حائطية للدعاية للقاء وقع تمزيقها من قبل مجهولين ويضيف محدّثنا قائلا «ما وقع ليس خاصا بالسيد حمّة الهمامي فقد حدث لنا نفس الشيء في لقاءات أخرى مختلفة مع السيد عبد الفتّاح مورو وسهام بن سدرين وميّة الجريبي وحزب التكتل...
الندوة استهلت بدقيقة صمت ترحما على أرواح شهداء غزّة ثم تداول على التدخل الأساتذة نعيم الرياحي ومنوبية بن غذاهم وخميس العرفاوي أساتذة الفلسفة والفرنسية والتاريخ بالجامعة التونسية.
المحاضرون تطرقوا إلى مضمون كتاب حمّة الهمامي «مطارحات حول قضية المرأة» وحاولوا تحليل مضامينه وربطها براهنية قضية حقوق المرأة في اللحظة السياسية الحالية التي تعيشها البلاد.
وقالت الأساتذة نعيمة الرياحي «لقد خلنا أن الحدّ الأدنى المضمون من حقوق المرأة قد حسم مع مجلّة الأحوال الشخصية وأن لا رجعة فيه بل لقد آملنا أن يطوّر الأمر إلى مستوى مكاسب جديدة لكن ما يصدر من حين إلى حين على ألسنة البعض في المجلس التأسيسي مثلا لا يبشّر بخير وينبئ بانتكاس في ما ضمن من حقوق».
الأستاذة منوبية بن غذاهم لا تختلف عن زميلتها في تشخيص الوضع مضيفة في ثنايا تحليلها لكتاب حمّة الهمامي أن البلاد التونسية متأصّلة في اختيار مبادئ المساواة بين المواطنين وسنّ التشريعات في ذلك منذ زمن قرطاج ودستورها الأول في التاريخ مرورا بالحركة الاصلاحية التحريرية المستنيرة التي دفع فيها الأجداد والآباء دماءهم ثمنا للتحرر من كلّ ظلم وظلامية فكيف نسمح اليوم لأنفسنا بالتلاعب بعهدة الأجداد» ؟؟
الأستاذ حمّة الهمامي انطلق في مداخلته من حيث ختمت الأستاذة منوبية إذ لاحظ أن قضية المرأة ليست بالأمر الجديد الطارئ بل لقد طرحت في الحضارة العربية الإسلامية منذ بدايات التأسيس ونحن نعتبر أن الإسلام كان متطورا في التصدّي لهذه القضية بالنسبة لسياقه التاريخي في مستوى تقسيم الميراث مثلا أما بالنسبة للبلاد التونسية فالمرأة وحكمتها هي من الأساطير المؤسسة لتونس من خلال رمزية عليسة وأروى القيراونية أو الصدّاق القيرواني ثمّ بورقيبة الذي لا نراه إلا قنّن واقعا اجتماعيا لم يكن رافضا للنهوض بحال المرأة فكيف يمكن أن نعود بها في تونس إلى نماذج لم تعرفها البلاد عبر آلاف السنوات من تاريخها؟» الهمامي تحدّث عن موقف حزبه من قضية المرأة من حيث هي جزء لا يتجزأ من مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة في المواطنة والحريات العامة والخاصة...
وقد طلب عدد كبير من الحاضرين الكلمة للمناقشة وإبداء الرأي واتسمت التدخلات بالتنوّع إذ تراوحت بين الجوانب الثقافية والسياسية بل والاجتماعية والاقتصادية.
وفي مستوى موضوع الندوة أجمعت آراء المتدخلين رغم اختلافاتها المرجعية على أن المرأة يجب أن تكون مبجّلة في مجتمعاتنا وفي المجتمع التونسي بصفة خاصة وأن الإسلام لم يكن في حقيقته مهينا للمرأة مانعا لعملها رغم ما ينتاب بعض الممارسات من تشويهات.. المتدخلون استندوا إلى نقاط نيّرة من الحضارة العربية الاسلامية فالسيّدة خديجة زوجة الرسول اشتغلت بالتجارة والسيّدة عائشة رضي الله عنها ذات حضور بارز في الشأن العام وفاطمة الزهراء حسب أحد المتدخلين كره الرسول صلى الله عليه وسلّم أن يتزوّج عليها علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
جوانب من مداخلات الحاضرين تناولت مواضيع اقتصادية واجتماعية على غرار استفسار فئة شبابية عن موقف حمّة الهمامي من معاناة ممتهني التجارة الموازية من تسلّط أجهزة الدولة والحكومة...حمة الهمامي استوعب تشنّج المتدخلين الغاضبين من خلال تأكيد ضرورة طرح المسألة بشكل وطني جدّي في اتجاه تمكين هؤلاء من التراخيص القانونية ليأخذوا مالهم و ينهضوا بما عليهم.
المعضلة الجهوية كانت كذلك حاضرة في المداخلات التي أكدت أن في الساحل مناطق مهمّشة لم تلّق حظها في النظامين السابقين وهي تُغْبَنُ اليوم بعد الثورة ... وقد أيد الهمامي آراء الحاضرين مؤكدا ضرورة الابتعاد عن المنزلقات الجهوية فالساحل ذو تاريخ نضالي بارز وعانى الكثير من سكانه ومناطقه التهميش موضحا أن مدنا مثل سوسة تعاني بعض أحيائها أوضاعا مأساوية وتفتقر على غرار الكثير من المناطق في البلاد إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة...
عموما نجحت الندوة رغم هنات التنظيم في عقد لقاء ثقافي سياسي انطلق من موضوع حقوق المرأة ليتطرّق إلى قضايا عديدة تتصل بهموم المعيش اليومي في مدينة بنان وجهة الساحل والبلاد التونسية بصفة عامة وقد كشفت هذه الندوة عن إمكانية واقعية للتحاور الحضاري بين مختلف الحساسيات الايديولوجية والسياسية في تونس.