لم أر مجلة «الأقلام» العراقية منذ سنوات ولم أعرف إن كانت قد واصلت الصدور أم إنها توقّفت عنه بعد الاحتلال ثم وصلني أخيرا عددان من هذه المجلة في مغلف واحد، وبهما عرفت أن المجلة صارت فصلية بعد أن كانت شهرية وهي إحدى أطول المجلات العربية عمرا إذ أنها صدرت في عهد الرئيس عبد السلام عارف عن وزارة الثقافة (وقد تبدل اسم هذه الوزارة من الارشاد الى الاعلام الى الثقافة فقط أو الثقافة والاعلام ولكن الغاية تظلّ واحدة) وربما كان صدورها عام 1964 وقد كان الدكتور أحمد مطلوب أمين عام المجمع العلمي العراقي حاليا ووزير الثقافة وقتذاك رئيسا لتحريرها مع هيئة تحرير تضمّ عددا من موظفي الوزارة المعنيين بالشأن الثقافي أمثال القاصّ الرائد عبد اللّه نيازي والباحث عامر رشيد السامرائي والأديبين جميل الجبوري وعبد الجبار داود البصري رحم اللّه من توفي منهم. صدرت المجلة على هيئة كتاب ولم تتوان هيئة تحريرها من وضع الخرائط المطبقة فيها وكأننا أمام كتاب جغرافيا وليس مجلة ثقافية.
صدرت المجلة في فترة صراع سياسي وجراح ما جرى عام 1963 بعد الإطاحة بنظام الزعيم عبد الكريم قاسم لم تندمل بعد، ولكن الجميع المطيحون والمطاح بهم من قوميين وشيوعيين وجدوا أنفسهم وجها لوجه في أقسى مرحلة مراجعة سياسية رغم أن السجون مازات حبلى بعد اعتقال عدد من قادة حزب البعث ومن الشيوعيين وكنت وقتها قادما من الجنوب العراقي، من مدينة الناصرية معبأ بطموحي وأحلامي لأن أجد مرافئي في العاصمة الواسعة.
وذهبنا الى مجلة «الأقلام» بنصوصنا وكان يقابلنا أحد اثنين إما عبد اللّه نيازي أو عامر رشيد السامرائي وهما رجلان ودودان، لكن للمجلة خطها المنغلق الذي لا يسمح لتجارب الشباب بأن تمرّ فيها رغم رغبة نيازي والسمرائي في ذلك.
وتدور الأيام ليسلم قياد مجلة «الأقلام» في بداية سبعينيات القرن الماضي الى من كانت هذه المجلة تقف في وجه نصوصهم، وكان العراق يومها يمرّ بمرحلة سياسية جديدة إثر الإطاحة بنظام عبد الرحمان عارف عام 1968.
كان أول من تولّى أمرها الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي استعان بصديقه الخطاط والرسام والشاعر أيضا محمد سعيد الصكار ليصنع ماكيت المجلة الجديد بحجمها الكبير المعروف، وقد صدر منها عددان بإشراف الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد قبل أن يطلبني الأستاذ زكي الجابر وكيل وزارة الثقافة ليكلفني بمهمة الاشراف على هذه المجلة.
وأحسست بثقل المسؤولية، ولكن مادامت المجلة قد فتحت على التجارب الحديثة في القصّة والشعر والترجمة والدراسات النقدية فإنني عملت أن أربح الرهان، كم كاتبت من أدباء أصدقاء في الوطن العربي ودعوتهم الى الكتابة فيها، وسافرت الى الخليج العربي لإصدار عدد خاص عن أدبه، ثم تونس والمغرب لإصدار عدد عن الأدب العربي المغاربي. وبدأت المجلة تتغذّى بإبداعات جديدة من مصر وسوريا والمغرب وتونس والبحرين والكويت والأردن واليمن وصارت ملتقاهم. وعملنا على أن لا يظلّ العراق سوقها فقط فصارت توزع في كافة الأقطار العربية مع مجلات الوزارة الأخرى مثل «مجلتي» و«المزمار» للأطفال و«التراث الشعبي» ثم «المورد» ف«الطليعة الأدبية» و«فنون» وبعد ذلك «آفاق عربية». ولعلّ أحدا لا يصدق أنني عندما غادرت المجلة عام 1979 كان رقم طبعها قد وصل الى قرابة العشرين ألف نسخة وهو رقم لا أظنّ أن هناك مجلة ثقافية عربية قد وصلته بما في ذلك المجلات المصرية: مجلة «المجلة» مثلا أو «مجلة الاداب» اللبنانية التي ظلّت لسنوات المجلة المركزية للأدب العربي.
وقد مرّ على المجلة عدد من الأدباء العراقيين والعرب تولوا مسؤوليتها تباعا أمثال عبد الجبار داود البصري وسامي مهدي وحميد سعيد وحاتم الصكر وعلي جعفر العلاق وطراد الكبيسي.
كما عمل في هيئة تحريرها عدد من الأدباء العرب الذين كانوا متواجدين في العراق أمثال محمد عفيفي مطر وغالب هلسا وخيري منصور وكانت أسماؤهم تظهر في المجلة كهيئة تحرير تتباهى بهم، وغالبا ما كنا ننصح الأدباء الشباب بأن يقدموا نصوصهم الى هؤلاء لغرض قراءتها وسماع آرائهم فيها إذ أننا اعتبرنا وجود أسماء كبيرة في العراق فرصة للإفادة منها والاستماع إليهم، ولم يكن بيننا من هو ضيّق الصدر، أناني، فالأدب العربي واحد ويجب أن ننحاز للمبدعين لا للتقييمات القطرية الضيّقة التي تقزّم الأدب والأدباء معا.
عددا المجلة اللذان وصلا إليّ ذكّراني بذلك الزمن الذي أحسّه جميلا رغم كل المنغّصات التي مرّت، أقلبهما وأحس أن أنفاسنا الأولى فيهما، وقد أسعدني أن المجلة رغم كل ما مرّ بالعراق لم يبهت بريقها، ولم تفقد وهجها رغم أن عدد المجلات الثقافية العربية قد كبر بحيث يصعب تذكّر كل أسمائها.