بعد توقّف عدد من المجلات العراقية أمثال «آفاق عربية» و«الطليعة الأدبية» ولا ندري ما هو مصير مجلات أخرى مثل «التراث الشعبي» و«المورد» وتحول مجلة «الأقلام» من شهرية الى فصلية كما اكتشفت أخيرا عندما وصلني العددان الأخيران منها رغم محافظتها على مستواها المتميز الذي عملنا عليه منذ السبعينات وللموضوع حديث آخر، أقول بعد كل هذا نستطيع القول إن بلدا عريضا مثل العراق أنجب أسماء مبدعة كبيرة مازال يعاني من فقر في عدد المجلات الشهرية والفصلية وأن المجلات التي تصدر فيه لا تستوعب إبداعات أدبائه الذين يتكاثرون فلجؤوا الى الصفحات الثقافية في الجرائد اليومية مثل «الزمان» والصباح» وسط كل هذا تأتينا مجلة شهرية من الموصل الحدباء هذه المرة تحت عنوان «شرفات». لقد أعلمني الصديق د. محمد صابر عبيد بهذا المشروع قبل أشهر ودعاني مشكورا للمشاركة فيه، ومادام د. عبيد قد تبنّى مع زملائه ورفاق الحرف هذا المشروع فإنه سينجزه وعلى أتم وجه كما يقال فقد عرف عنه أنه المحرّك لعديد الندوات والمشاريع الأدبية والرسائل الجامعية التي راجعت الأدب العراقي الحديث بعيدا عن الجهويات والمحاصصات اللتين هما من أمراض السياسة ومن حسن الحظ أن الثقافة العراقية نأت عنهما وظلت ثقافة وطنية وإلا لكانت الكارثة أكبر وأمضّ.
وهكذا صدرت «شرفات» أنيقة وجميلة صدرت لكي تواصل الصدور بدليل أنها أعلنت عن مواد ستنشر في أعدادها القادمة تغطي أكثر من عدد، ولأسماء فاعلة في الأدب العراقي الحديث، وربما كان البعض منها قد توقف عن النشر في الجرائد الموجودة في العراق اليوم وخاصة تلك التي صدرت بعد احتلال العراق.
لقد نجح د. عبيد ورفاقه في أسرة تحرير المجلة وهم الشاعر رعد فاضل (مدير التحرير) وفارس سعد الدين (سكرتير التحرير) والمحرّرة بيداء حكمت وصاحب الامتياز الأديب والفنان التشكيلي بيات مرعي وجاء اسم د. محمد صابر عبيد مستشارا للمجلة، وقد كتب تحت عنوان المجلة التعريف التالي: (مجلة تعنى بحداثة الأدب والفن والمعرفة) وستصدر في المرحلة الأولى مرة كل شهرين، وقد علمت أن عددها الثاني قريب الصدور.
من المؤكد جدا أن إصدار أي مطبوع جديد هو وليد حاجة وليس لمجرد الإصدار، ولو لم يشعر أصدقاؤنا الموصليون وهم الذين عرفنا فيهم «الإتقان» بأن صدور «شرفات» أمر مطلوب، والحاجة ماسّة اليه لما أقدموا على مغامرة اصداره.
وعندما نقلب صفحات العدد الاول نجد بأن أسرته أفلحت في استعادة ابداع أسماء هاجرت وانقطعت عن النشر في العراق مثل الشاعر سعدي يوسف والشاعر والروائي فاضل العزاوي والشاعر أمجد محمد سعيد، كما ضم العدد قصيدة للشاعر البحريني المعروف قاسم حداد.
أما المشاركون من العراقيين فننوه بنصوص لكل من الشاعر سامي مهدي والقاص محمد خضير والقاص أحمد خلف والقاص فرج ياسين وكلهم من رموز جيل الستينات في العراق الذين لم يتوقفوا عن العطاء رغم كل ما مرّ بالوطن من لحن.
والعدد أثرته كتابات ونصوص لأسماء فاعلة أخرى في الأدب العراقي أمثال: نامق سلطان، وجاسم محمد جاسم وعلي الربيعي. وفي زاوية «رؤية» كتب كل من بيات مرعي وطارق الشبلي.
وفي «قراءات نقدية» نقرأ للؤي حمزة عباس وعباس عبد جاسم وهو ناقد عايش جيل الستينات العراقي ناقدا ومتابعا وله أكثر من اصدار في قراءة تجربة التجديد في السرد العراقي.
والصفحة الأخيرة «أول الكلام» بتوقيع الشاعر رعد فاضل حول المجلة ودوافع اصدارها. وفي العدد حوار أجراه شاكر مجيد سيفو مع الفنان التشكيلي لوثر إيشو تحت عنوان «المعادلة الصعبة والوحيدة هي أن تكون أنت». افتتاحية العدد الاول كتبها مستشار المجلة د. محمد صابر عبيد تحت عنوان (لماذا «شرفات»؟ كلام في استراتيجية التسمية).
وفي هذه الافتتاحية نعرف بأن التسمية لم تكن مرتجلة بل هي وليدة سبر واستقصاء وبحث حيث استقر الأمر عند «شرفات» دون غيرها من الأسماء. يقول من بين ما قاله: (ال «شرفة» عين والعين رؤية، والرؤية فضاء والفضاء عالم، والعالم كون، والكون واحد، والواحد متعدد، والمتعدد حرية والحرية كشف، والكشف حلول، والحلول مدى لا أول له ولا آخر)، ويقول أيضا: (ان «شرفة» المفردة المتجوهرة في خيالنا حين تجمع «شرفات» بوسعها أن تنتج عيونا كثيرة لا حصر لها، من عين التسلط الى عين الحضور الى عين الغياب الى عين المكان الى عين الزمان الى عين الحجب الى عين التمويه الى عين الخدعة الى عين العلامة، ومن عين الأبيض، الى عين الأسود... هذه المجلة «شرفات» اضافة جميلة وأنيقة وعميقة، وهي مفتوحةلكل مبدعي العربية إذ لهم في المجلة دعوة مفتوحة لذلك.