دعا رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي الى تشكيل حكومة كفاءات مصغرة لا تقوم على أساس المحاصصة الحزبية وتعتني بالتنمية. وأضاف خلال كلمة توجه بها مساء أمس الجمعة الى الشعب التونسي عبر القناة الوطنية الاولى أن البلاد على مفترق طرق داعيا الجميع الى تحمل مسؤولياتهم أمام هذا الظرف الدقيق. وشدد في هذا الصدد على أن من واجب كل القوى الوطنية دون استثناء انتهاج خيار الحوار والنأي عن منطق التجييش والتحريض الذي تتوخاه ما وصفها ب«القوى غير الشرعية التي تريد الركوب على المطالب المشروعة على حد تعبيره.
ولاحظ المرزوقي أنه مع التفهم المطلق للمطالب المشروعة لأهالي المناطق المحرومة فإنه على الجميع الوعي بأن كل مظاهر عدم الاستقرار تكون نتيجتها هروب الاستثمار الذي يعد المفتاح الرئيسي لحل مشاكل هذه المناطق من تشغيل وتنمية. وأكد في جانب آخر من كلمته أن المشكل الاساسي هو حجم الانتظارات الكبيرة في مقابل أداء حكومي لم يرتق الى مستوى هذه الانتظارات». رغم حجم المجهودات التي تقوم بها الحكومة الحالية.
ولفت إلى أن مجهودات الحكومة لوحدها تظل غير كافية لحل مشكلة البطالة مقرا على صعيد اخر بأن الجهد المبذول لم يكن إلى حد الآن في حجم الطلبات المشروعة خاصة في محاسبة الفاسدين والارتقاء بالأوضاع التنموية للجهات. وبعد أن نبه الى أن تواصل الامر على ماهو عليه سيؤدي حسب تعبيره إلى الهلاك شدد رئيس الجمهورية على أن طريق الخلاص يكمن في تحمل الجميع من رئاسة وحكومة وأحزاب ونقابات ومجتمع مدني ومواطنين لمسوولياتهم. واعتبر أن اجراء انتخابات قبل الصائفة المقبلة أصبح «حاجة حياتية» من أجل المرور الى مرحلة بناء مؤسسات مستقرة وارساء ديمقراطية حقيقية تكون في مستوى تضحيات شهداء الثورة وجرحاها.
رسائل المرزوقي: ورقة حمراء إلى الحكومة لم تبق صرخات أهالي سليانة ولا صرخات المواطنين في كل الولايات التي غضبت تضامنا مع سليانة، لم تبق صرخات في واد.. فقد التقطها الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي ليوجه جملة من الرسائل إلى حكومة الجبالي هي في نهاية المطاف عبارة عن ورقة حمراء رفعها في وجهها. فقد أبدى المرزوقي انزعاجه من العنف المفرط الذي تم التعاطي به مع المتظاهرين في سليانة.. وهو بذلك ينأى بنفسه عن تبعات مواجهة وضعت «حكومة الثورة» في موضع من يقمع شعب الثورة.
المرزوقي أبدى كذلك «تفهمه المطلق» للمطالب المشروعة لأهالي المناطق المحرومة وكأنه يحمّل الحكومة مثلما يقول مواطنو هذه الجهات غياب التنمية وغياب التشغيل.. وبالتالي عدم رؤية النور في نهاية النفق.
ولعل دعوة المرزوقي إلى تشكيل حكومة مصغرة لا تقوم على المحاصصة الحزبية جاءت لتكون بمثابة رصاصة الرحمة على الحكومة التي يراها كما تراها المعارضة «مترنحة» وعاجزة عن توفير أجوبة لتساؤلات المواطنين وحلول جذرية لمشاكلهم أو على الأقل بداية معقولة ومقنعة لهذه الحلول. فلطالما طالبت المعارضة بحكومة انقاذ وطني أو بحكومة تكنوقراط أو بحكومة تجسد فيها وزارات السيادة كالداخلية والعدل لينصرف الجميع للاعداد للمواعيد القادمة..
ولكن كل هذه الدعوات ظلت مجرد فرقعات تعاطت معها الحكومة برفض ولامبالاة ظاهرين.. معوّلة على مزيد من الوقت لإنضاج مساعي التحوير الوزاري وضخ دماء جديدة في مفاصلها.. لكن دعوة المرزوقي جاءت لتقلب الميزان لفائدة المعارضة بدعوته إلى نسف الحكومة أصلا وتشكيل حكومة مصغرة تعتمد الكفاءات وليس الولاءات ولا الانتماءات الحزبية لتتعاطى مع استحقاقات وتحديات هذه المرحلة في إطار من الوحدة الوطنية بقطع الطريق عن كل التجاذبات ودواعي الاستقطاب. وفي الأخير لم يتخلف المرزوقي عن الدعوة إلى حوار جاد وهادئ ينفّس الاحتقان الذي بدأ يأخذ أحجاما وأشكالا مخيفة.. وهي رسالة أخرى إلى الحكومة التي يتفرق وزراؤها ويتفننون في توزيع التهم على الخصوم السياسيين.. في قفز واضح على أصل الداء.. كيف ستتقبل الحكومة رسائل المرزوقي؟ وكيف ستتعاطى مع هذه الورقة الحمراء المرفوعة في وجهها؟ سؤالان ينتظران الاجابة.