كان يوما أسود يوم أمس 4 ديسمبر 2012 في ساحة محمد علي معقل وعرين الاتحاد العام التونسي للشغل.. هل كان الاغتيال الثاني للزعيم الخالد فرحات حشاد ؟ كما قال الكثير من النقابيين يوم اغتيال حشاد العظيم تحول الى يوم للعنف والرعب في الساحة التي ظلت شاهدة على تاريخ هذا الوطن.
من يستهدف الاتحاد العام التونسي للشغل ولمصلحة من؟
من يريد القضاء على آخر القلاع الصامدة المناضلة من أجل العدالة الاجتماعية والحرية والمدافعة عن العمال والكادحين والفقراء. خلال سنة واحدة تعرض الاتحاد العام التونسي للشغل الى أكثر من هجوم وإلى أكثر من تهديد لكن لم يكن أحد يتوقع ان يتحول عرس حشاد الى مأتم وأن تتحول ساحة محمد علي الى حلبة عنف.
من تهجم على الاتحاد، من كان وراء الهجوم وما هو الدافع الحقيقي لما حدث أمس في ساحة محمد علي؟ لماذا يغتال فرحات حشاد مرة ثانية وبعد ثورة شعب... من له مصلحة في اغتيال فرحات حشاد من جديد؟ ما حدث أمس في ساحة محمد علي يحتاج الى تحقيق جدي هذه المرة لكشف الجناة وكشف من يقف وراءهم.
أحداث ساحة محمد علي لحظة بلحظة : العنف انطلق ب «الشعارات» وانتهى بالهراوات
رعب، سكاكين، هراوات، احتقان، غضب ودماء انتشرت بساحة محمد علي حيث سقط عدد كبير من الجرحى من النقابيين ومن مناصري الاتحاد حيث عمدت مجموعة كانت ترفع شعارات تهاجم النقابيين الذين كانوا يحتفلون بالذكرى 60 لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد.
حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف النهار اجتمع مئات النقابيين في ساحة محمد علي للاحتفال بذكرى استشهاد فرحات حشاد وفي الجهة الأخرى للبطحاء تواجد أيضا عدد من المعارضين للاتحاد وبدأوا بالهتاف ضد رموزه مردّدين شعارات مثل «يا حشاد يا حشاد الاتحاد باع البلاد»، «بالروح بالدم نفديك يا حكومة»، «يا حكومة سير سير واحنا وراك بالتغيير» و«سنحاسبك يا اتحاد» ومن الطرف الآخر أجابهم النقابيون «الاتحاد أقوى قوّة في البلاد» و«يا حشاد يا حشاد سنحمي البلاد»، و«بالروح بالدم نفديك يا اتحاد»، وبعد ذلك بدأت الأوضاع تتوتّر بين الطرفين في غياب أمني واضح.
إصابات ودماء
استشرت الفوضى في ساحة محمد علي حين عمدت مجموعة من المحتجين الى استعمال الحجارة وتهشيم بعض نوافذ مقرّ الاتحاد وهذا ما أغضب النقابيين الذين دافعوا عن مقرّهم ولكن فوجئ الجميع بوجود أسلحة عند بعض الشباب المرابط هناك والذي استعمل الغاز المشلّ ضد بعض النقابيين حيث سقط عدد كبير من الجرحى بين نساء وشباب ونقابيين وحسب ما أكده مصدر نقابي ل«الشروق» فإن عدد الجرحى في صفوف مناصري الاتحاد وصل الى 20 جريحا منهم أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد والأمناء العامون المساعدون.
قال سمير الشفي الأمين العام المساعد المكلف بقسم الجمعيات والشبا ب العامل والمرأة وقد أصيب في هذه الهجمة على الاتحاد «لم أتوقع مثل هذا التصرف الغادر من الحكومة، في ذكرى اغتيال الشهيد فرحات حشاد يحاولون ضرب الاتحاد ولكن لن ينجحوا ودماؤنا فداء له وسال دمي دفاعا عن اتحادنا ولن يمرّوا»، أما حفيظ حفيظ الأمين العام المساعد المكلف بقسم الوظيفة العمومية فقد تعرض بدوره للضرب والتعسّف مما تسبب في إصابات عديدة في جسده فقد أيد كلام زميله مضيفا «الكلمة المناسبة لهؤلاء «لن تمرّوا».
غياب الأمن
حضرت قوات الأمن على عين المكان أي في ساحة محمد علي ولكن بعد سقوط عدد كبير من الجرحى، واستعمال العنف المفرط مما تسبب في حالة دهشة من الفوضى والدمار بالمكان، وحاولوا لاحقا السطيرة على الوضع ولكن في البداية كان الأمر شديد الصعوبة بسبب تعنّت الطرفين والحضور الأمني المتأخر أغضب النقابيين وأزعج قياداتهم وبعد حوالي النصف ساعة استطاعوا تفريق معارضي الاتحاد وابعادهم عن المكان.
نحو القصبة
رغم إصابات النقابيين وقيادات الاتحاد العام التونسي للشغل إلا أن الأمين العام حسين العباسي شدد على ضرورة مواصلة الاحتفال بذكرى استشهاد الزعيم الوطني فرحات حشاد، وبدأت المسيرة من ساحة محمد علي نحو القصبة حيث يوجد ضريح حشاد وارتفعت أعلام الاتحاد وبدأت الهتافات تعلو ساحة محمد علي وصولا إلى القصبة بحماية أمنية مشددة منذ البداية إلى حين وصول النقابيين الى ضريح الزعيم فرحات حشاد حيث اجتمع أيضا عدد كبير من المحتجين الذين هتفوا بشعارات ضد الاتحاد وقياداته.
اصطدام جديد
وجد النقابيون المحتلفون بالذكرى 60 لاستشهاد الزعيم فرحات حشاد مجموعة من المحتجين الرافعين لشعارات معادية للاتحاد ومنهم عدد هام من الملتحين وآخرون منخرطون بلجان حماية الثورة ورغم الوجود الأمني المكثف بالمكان إلا أن استعمال الحجارة والقوارير البلورية والعصي كان مكثفا بالمكان وأصيب أيضا عدد آخر من النقابيين وحتى المارة لم يسلموا من هذا التعسف.
«الزعيم فرحات حشاد» كان حاضرا بقوة من خلال شعارات رفعها المحتجون من الجهتين، حيث هتف النقابيون «بالروح بالدم نفديك يا حشاد» و«لا ينحيك يا حشاد» و«يا حشاد يا حشاد أبناؤك عن دربك لن يحيدوا» أما الطرف الآخر بدأ بالهتاف حاملين شعارات «يا حشاد يا حشاد الاتحاد باع البلاد» و«يا حشاد راهم يتاجروا بيك». أين المفتاح ؟
حين وصل النقابيون ويتزعمهم الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل حسين العباسي إلى مقر ضريح الشهيد فرحات حشاد ووجدوا باب الضريح مغلق ولم يتم تمكينهم من المفتاح وسط استغراب النقابيين من هذه الحادثة التي تسجل لأول مرة.
عندما بكى «العباسي» : خفافيش الظلام وأعداء الديمقراطية أرادوا اغتيال الاتحاد لم يتمالك الأمين العام حسين العباسي نفسه عن البكاء ولم يقدر على حبس دموعه كان في مكتبه بكى العباسي متأثرا وهو يشاهد التهجم على الساحة وعلى الاتحاد الذي كان لأكثر من نصف قرن شاهدا على نضالات الشعب كل الشعب...
ربما لم يكن حسين العباسي يتوقع وهو المناضل النقابي لأكثر من 40 سنة أن يعيش لحظة الهجوم على الاتحاد في زمن ما بعد الثورة... بغضب كبير تحدث العباسي في مكتبه أمام الصحفيين وقال انه كان من المفروض أن ينحني الجميع في هذه المناسبة لحشاد العظيم. وأضاف ان حشاد قال أحبك يا شعب ولم يقل أحبك يا اتحاد.
وقال العباسي ان الاتحاد دائما يلعب دور التوازن ويقاوم الاستبداد والقمع وأضاف كنا نعتقد جميعا ان نستعد جميعا للاحتفال بهذه الذكرى لكن خفافيش الظلام وأعداء الديمقراطية أرادوا اغتيال الاتحاد يوم اغتيال مؤسّسه..
وقال إنني مسؤول عن كلامي وإن ما تمّ ممارسته اليوم لم يمارس في كل العهود السابقة، وإنما تمّ في عهد الحكومة الشرعية والمنتخبة. وأضاف «أقول لكل هؤلاء إن الذي يخامره أمر أن ينحني الاتحاد أو يأتي من يحدّد له مربّع تحرّكه أقول له هيهات أن الشعب لن يكون إلا الى جانب الاتحاد». وأضاف «لقد كشفوا عن نواياهم.. وهم يرفعون شعار الشراكة كشعار فقط بينما على أرض الواقع هناك حقيقة أخرى».
وقال العباسي «يجب أن يعرف كل العالم ما حدث وأن الاتحاد سيبقى مدافعا عن الحرية وعن العدالة الاجتماعية وقد كان له بصيص أمل لكن للأسف ما أقوله أنه لا أحد قادر على إيقاف عجلة الاتحاد». وأضاف «مناضلو الاتحاد لن يخافون السجون والقمع والبطش..».