مواجهات عنيفة شهدتها أمس بطحاء محمد علي بين أنصار الأتحاد العام التونسي للشغل ورابطات حماية الثورة أسفرت عن اصابة عديد النقابيين بجروح خطيرة استدعت نقلهم الى المستشفى. هذه الميليشيات المحسوبة على حركة النهضة ورابطات حماية الثورة انتقلت الى بطحاء محمد علي مسلحة بجميع أنواع الأسلحة البيضاء والغاز المشل للحركة ورفعت شعارات معادية للاتحاد متهمة اياه بالفساد وبث الفوضى والبلبلة في البلاد وسرعان ما تحولت هذه الشعارات الى أعمال عنف خطيرة طالت عدد هام من النقابيين الذين تصدوا لمحاولات التخريب والفوضى والاعتداءات العشوائية لتتحول بطحاء محمد علي الى حلبة مصارعة في غياب لأعوان الأمن الذين التحقوا بالأحداث في وقت متأخر.
أعمال العنف تزامنت مع اعلان المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل تنظيم مسيرة للاحتفال بذكرى اغتيال الزعيم فرحات حشاد وهوما اعتبره جل النقابيون اغتيال لحشاد من جديد. مؤكدين أنه وبعد تركيع الأمن والمحاولات المتعددة لتركيع الإتحاد بداية برمي القمامة أمام مقراته والاعتداءات المتكررة على مناضليه حان الوقت لاخضاعه باعتباره القوة الوحيدة التي يمكن ان تواجه النهضة في الوقت الحالي. الهجمة المنظمة ضد الإتحاد خلفت عديد الجرحى الذين أبدوا لنا استياءهم الشديد من هذه الممارسات الإجرامية غير المسؤولة حيث أكد عبد الستار القاسمي نقابي ببلدية سكرة الذي اصيب على مستوى رأسه أن هذه العصابات كانت مسلحة بمعدات مخصصة لرجال الأمن مثل «الماتراك» و«الغاز المسيل للدموع» متسائلا عن مصدرها والأطراف التي تقف وراء هذه الميليشيات وتدعمها بمثل هذه الوسائل. وسانده وسيم العامري نقابي بشركة النقل منددا بأعمال العنف التي استهدفت مناضلي الاتحاد في هذه «الذكرى المجيدة» موجها أصابع الإتهام لحركة النهضة ولوزارة الداخلية بوقوفهما وراء الهجمة الشرسة على اتحاد الشغل خاصة أن هذه الاعتداءات تزامنت مع توصل الاتحاد الى امضاء اتفاقيات الزيادة في الأجور في القطاعين العام والخاص وهوما يعد مكسبا هاما عجزت عن تحقيقه عديد الأطراف الأخرى.
من جانبه أكد عادل عوينات كاتب عام نقابة النزل الذي أصيب هوالآخر بجروح بليغة على مستوى الرأس أن التجهيزات التي يستعملها عادة رجالات الأمن تسلح بها ميليشيات حركة النهضة ورابطات حماية الثورة إضافة الى السواطير والسكاكين والحجارة التي كانت حاضرة بكثرة.
أما الحبيب الطبوبي المسؤول عن الإعلام والنشر بشركة نقل تونس والذي اصيب هوالآخر على مستوى رأسه بحجارة فقد صرح أن ما حدث هوعملية منظمة وممنهجة ضد الاتحاد الذي نجح في تحقيق انجازات ومكاسب كانت بمثابة «الصدمة» لمعاديه مبديا استغرابه من «سياسة العنف والخطاب المزدوج لحركة النهضة وللحكومة». سيارات الاسعاف كانت رابضة أمام مقر الإتحاد بعد انطلاق المسيرة في اتجاه القصبة أين يوجد ضريح الزعيم فرحات حشاد لإسعاف الجرحى ونقل بعضهم الى المستشفى لتلقي العلاج نظرا لخطورة الإصابات كما تواجد بعض الأطباء النقابيين الذين باشروا عملية الاسعافات الى جانب حضور اعلامي مكثف لمواكبة أثار «العدوان» الذي طال أغلب مكاتب الاتحاد .
وسيلة العياري منسق قسم التشريع والنزاعات باتحاد الشغل صرحت أن هناك خلفية لافشال مسيرة الاتحاد في احتفاله بذكرى حشاد باعتبار أن وزارة الداخلية لم تستبق الحدث لحماية النقابيين والتصدي للميليشيات وقالت «هل ستقع رمي التهمة كالعادة على مناضلي الجبهة الشعبية والمعارضة» مبدية استغرابها من وجود اسلحة «المولوتوف والماتراك» بين أيادي المعتدين. وحملت المسؤولية لعلي العريض وزير الداخلية متهمة اياه بالتواطؤ مؤكدة أن الإتحاد «لن يسكت بعد اليوم ومثل هذه العمليات الإجرامية لن تمر».
على الصفحات الاجتماعية : مواجهات دموية تمحو التفاؤل بالزيادة في الأجور
تناقلت الكثير من الصفحات التونسية في الموقع الاجتماعي يوم أمس صور الاعتداء على نقابيين في احتفال اتحاد الشغل بذكرى اغتيال فرحات حشاد، وبدا أن الهدنة الأخيرة بين أنصار الاتحاد وأنصار النهضة قد انتهت. منذ صبيحة أمس، تجندت العديد من صفحات أنصار الاتحاد وحلفائهم في المعارضة وخصوصا اليسار لنشر أخبار وصور الاستعدادات لمسيرة إحياء ذكرى اغتيال الزعيم فرحات حشاد، وحدث ذلك وسط جو من التفاؤل إثر الإعلان عن إمضاء الزيادة في الأجور، ونشر ناشطون كثيرون معلومات مفصلة عن هذه الزيادة. وفجأة، امتلأت هذه الصفحات بصور العنف والمواجهات والعصي والحجارة، ومقاطع فيديو تصور لقطات مروعة لأشخاص غارقين في دمائهم، وانتشرت التعاليق التي تتهم «مليشيات النهضة»، أو رابطات حماية الثورة بالاعتداء على النقابيين في بطحاء محمد علي وهم منشغلون بإحياء ذكرى النقابي الذي تحول إلى «شهيد رمز» في النضال ضد الاستعمار. وتحدثت الأخبار الأولى عن محاولات المعتدين اقتحام مقر الاتحاد وعن غياب الشرطة المحير.
منذ ذلك الحين، اختفت أخبار الزيادات في الأجور، وحلت محلها عبارات التهديد والشتائم والتخوين، وبدا واضحا أن أنصار الاتحاد وحلفاءهم من اليسار والمعارضة قد دخلوا في مواجهة عنيفة لا يعلم خطورتها على البلاد أحد، خصوصا في ظل التهديدات والدعوات التي تم إطلاقها في عدة صفحات للمواجهة. في الأثناء، لم نجد في صفحات أنصار النهضة أثرا لأي موقف عما يحدث في ساحة محمد علي، بل قرأنها تعاليق متفرقة تتضمن عبارات شماتة وتهديد وهو ما زاد في حدة الموقف في الصفحات التونسية. بحثنا عن موقف أو تفسير لهذا الاعتداء، فعثرنا على تعاليق في بضع الصفحات تتحدث عن «تطهير الاتحاد» من بقايا التجمع و«اليسار السلفي»، كما كتب أحدهم. كما يتبين من خلال بعض التعاليق أن الهجوم كان وفق خطة مسبقة وأن الشعارات التي رفعها المهاجمون تأتي نتيجة لمواقف النقابيين في أحداث سليانة، حتى أن أحدهم كتب على صفحة نشرت صور ضحايا الاعتداء: «تريدون إسقاط الحكومة الشرعية ؟ سوف نسقطكم بكل الطرق». كما كتب ناشط يستعمل اسما مستعارا: «لقد هاجمناهم لأن اليسار الإقصائي كان يستعد لمسيرة ينادي فيها بإسقاط الحكومة، نسقطهم قبل أن يسقطوا الحكومة». استمر أنصار الاتحاد في نشر صور المصابين وصور الأضرار المادية التي لحقت بعض مكاتب الاتحاد في ساحة محمد علي، كما ظهرت عدة دعوات في صفحات بعض أنصار الاتحاد تدعو إلى التجمع ورد الفعل بالعنف، وتتهم الشرطة بالتراخي والتآمر مع المعتدين. وظل الوضع متوترا حتى كتب أحد الزملاء خبرا عاجلا جاء فيه: «الآن وصول أعداد غفيرة من مناضلي ومناضلات الجبهة الشعبية وشباب الجبهة لبطحاء محمد علي، تم فك الحصار على البطحاء وإخراج ميليشيات النهضة منها».
وتحركت الصفحات المعروفة بقربها من حركة النهضة بنشر صور لأشخاص يحملون زي وشعار الاتحاد مسلحين بالهراوات، وجاء في التعاليق الكثيرة والصور ومقاطع الفيديو التي نشرها أنصار النهضة أن «مليشيات الاتحاد» هي التي اعتدت على متظاهرين كانوا ينادون بسقوط التجمع. واستشهد أنصار النهضة بتقرير إخباري نسبوه إلى صحفي أجنبي جاء فيه أن «مليشيات الاتحاد» وهي تتكون من ملثمين كانوا فوق سطح مقر الاتحاد يقذفون الناس بالحجارة وبكراس، فيما تم الاعتداء على الكثير من الحاضرين بالعصي. بعد الزوال، بدا أن المواجهة في ساحة محمد علي قد توقفت، لكن الصدور تغلي في التعاليق التي يتم نشرها في ظل تواتر الدعوات إلى الانتقام. رئاسة التأسيسي : للثورة مؤسسات شرعية تحميها
عبرت رئاسة المجلس الوطني التأسيسي عن انشغالها العميق للأحداث التي جرت أمس بساحة محمد علي بالعاصمة وعن استنكارها الشديد للإعتداء الذي تعرض له بعض من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد في يوم إحياء ذكرى اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد معتبرة أن ما جرى من أحداث أمس يهدد أمن البلاد واستقرارها ويزرع الفتنة والبغضاء والكراهية بين افراد المجتمع التونسي. وأكدت رئاسة المجلس في بيان لها أمس رفضها المطلق للاعتداءات ضد رموز المنظمة الشغلية التي قالت إنها منظمة وطنية عتيدة ساهمت في معركة التحرير الوطني وبناء الدولة الحديثة وفي انجاح ثورة الحرية والكرامة وتعد اليوم شريكا فاعلا في انجاح المسار الانتقالي الديمقراطي وارساء السلم الاجتماعية. وشدد البيان على أن للثورة مؤسسات شرعية تحميها وعلى رأسها المجلس الوطني التأسيسي معلنا تمسك رئاسة المجلس التأسيسي بفتح تحقيق فوري في ملابسات هذه الاحداث لتحديد المسؤوليات بصورة واضحة وجلية وشددت رئاسة المجلس على ضرورة بذل كل الجهود وتوظيف كل الطاقات من أجل وضع حد لمثل هذه الاعمال العنيفة واعلاء قيم العيش المشترك وانجاح المسار الانتقالي في اطار احترام دولة القانون.
«النهضة» تدعو الجميع إلى ضبط النفس جاء في بلاغ لحركة النهضة أن ما شهدته ساحة محمد علي من أحداث تتمثل في اعتداء عدد من الميليشيات بالعصي والحجارة والغاز المشل للحركة على متظاهرين سلميين جاءوا للمشاركة في إحياء ذكرى اغتيال الشهيد فرحات حشاد. وتعتبر أن ذكرى استشهاد فرحات حشاد مناسبة وطنية جامعة لكل التونسيين. تدين بشدة تعرض المتظاهرين للعنف والتطاول وتعبرعن تضامنها مع كل الجرحى. وتدعو إلى إخلاء مقرات المنظمات الوطنية من وسائل العنف. تدعو الجميع إلى ضبط النفس ورفض كل استدراج إلى ردود الفعل.