يواصل الاستاذ عبد المجيد الساحلي في هذا الجزء الثاني من «الاخطاء العشرة» سرد الاخطاء الخمسة الباقية التي رأى ان الدكتور صالح المهدي قد وقع فيها خلال محاضرته بدار الأوبرا المصرية والبداية مع الخطأ السادس: 6 اما عن المناسبة الثانية التي ذكرها زرياب خطأ مؤكدا انها تعود الى عهد أحمد باي فإنها لا تعدو ان تكون الا تخمينات فأخذ يخلط بين المدرسة الحربية التي اسسها الباي أحمد وهي في الواقع مدرسة تقنية Polytechnique اسوة بالعاصمة الفرنسية والتي زارها رفقة ابن ابي ضياف سنة 1864 وتخرج منها اول مهندس تونسي وهو المرحوم محمد علي العنابي برتبة Polytechnicien كما ان المخطوط الذي يتحدث عنه زرياب والذي مازال يوجد بالرشيدية فإن فضل تدوين التراث لا يعود الى جدران المدرسة كما ذكر زرياب وانما يعود الى الضابط خليل التركي الذي تعقب اثره فيما بعد الموسيقار العميد محمد التريكي والذي يعود له الفضل ولا يعرف الفضل الا ذووه في تدوين 13 نوبة مالوف وكامل الاغاني التراثية بمفرده الامر الذي جعل بلادنا تفوز بالرقم القياسي في صيانة التراث بدليل ان الجزائر لا تملك الا 12 نوبة والمغرب 11 وليبيا 10 . ولم يقتصر المشير احمد باي على جلب الاساتذة من فرنسا وإنما من النمسا وهو الاستاذ واردي فأخطأ الصحفي التونسي مصطفى الشلبي وذكر في كتابه بالفرنسية (موسيقى ومجتمع) ان الموسيقار الايطالي فاردي قد زار بلادنا في تلك الفترة في حين انه كان مشغولا بتلحين اوبرا عائدة بطلب من الملك المصري الخديوي اسماعيل احتفاء بمناسبة افتتاح قناة السويس وتأسيس دار الأوبرا المصرية سنة 1869 . 7 اما عن الفرق الموسيقية النحاسية فإنها لم تكن في البدء الا فرقا رياضية اضيفت اليها بعض اقسام الموسيقى وتولى تدريب العناصر التونسية افراد الجالية الايطالية التي كان عددها يفوق عدد أفراد الجاليةالمالطية والفرنسية واليونانية وكان دورها يقتصر على إحياء حفلات الختان او تنشيط الساحات العمومية من خلال بعض الاستعراضات مثل التي تقوم بها الآن الماجورات. وان ما يدعيه زرياب من ان الآلات النحاسية قد اساءت الى الموسيقى العربية هو عين الخطأ لأنه يبدو ان زرياب قد تجاوزته الاحداث لعله قد فاته ان مهارة العازفين المصريين والتونسيين قد تغلبت نهائيا عن هذه العقدة الزريابية التي يلوكها بعض المنظرين من الدكاترة والعباقرة وهي تكمن فيما يسمى بالربع التون عند المصريين Quart de ton بالنسبة الى درجات السلم الموسيقي وهي الثالثة مي Mi والسابعة سي Si ويكفي ان نشير بمزيد الفخر والاعتزاز الى الدور الريادي الذي قام به المرحوم محمد الزهروني ومحمود القلعي من تونس بالنسبة الى آلة الكرنيطة Clarinette التي مازالت تحتل مكانة بارزة في الفرق التونسية والتركية حيث تعزف الارباع المقامية بل وكذلك في الطرق الصوفية التونسية حيث مازالت المدائح والأذكار تنشد في بعض الزوايا مرفوقة بآلة الكرنيطة كذلك الشأن بالنسبة لآلة السكسفون Saxophone التي طورها العازف المصري الأسود المرحوم سمير سرور والذي وفق في تطويعها الى أداء المعزوفات المقامية ذات الارباع مثل البياتي والسيكاه والراست. ولا ادل على ذلك من انه رافق المطرب عبد الحليم حافظ في بعض اغانيه والتي اعادها فيما بعد بمفرده كما فعل ذلك مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم فهل يشك زرياب في كفاءة أم كلثوم وصحة أذنها الموسيقية وهي التي احتضنته في فرقتها الموسيقية عازفا ماهرا على آلة موسيقية غربية مثلما احتضنت آلة القيثارة وعازفها المرحوم عمر خورشيد والارغن مع هاني مهنى. 8 اما عن الأوركاستر السنفوني فإنه لم يبعث في الثلاثينات وكأن بلادنا كانت هائمة في واد غير ذي ابداع بل ان بلادنا كانت سباقة منذ القرن الثامن عشر على احتضان الأوركاستر السمفوني الذي كان يتألف من افراد الجالية الفرنسية واليونانية والايطالية والمالطية ولعل زرياب لم يطلع على تاريخ الأوركاستر السمفوني في تونس وقد دوّنه المؤرخ اليهودي الايطالي راوول دارمون مثلما دوّنت مجلة الاذاعة التونسية نشرا لبرامج الأوركستر السمفوني التابع للإذاعة التونسية منذ اول صدورها سنة 1959 ولا ادل على ذلك ان التلفزة الوطنية التونسية عندما حل ركبها الميمون في غرة جوان من سنة 1966 احتلت الاستوديو الذي كان يحتضن حفل الأوركاستر السمفوني الذي لم يتأسس إذن سنة 1969 كما ذكر ذلك خطأ زرياب وإنما يعود الى سنة 1782 وان كانت عناصره ليست تونسية كما تجدر الاشارة ان الأوركاستر التونسي الذي يدعي زرياب تأسيسه لم يكن تونسيا اذ انه كان يحتضن مجموعة من العازفين الأوروبيين ولما كان الاتجاه السياسي سنة 1969 اشتراكيا انخرط زرياب في ذلك التيار الذي ابرز عدة اغان تستمد كلماتها من ذلك الاتجاه مثل حزب اشتراكي دستوري الله ينصر من جاء به او اغنية بالتعاضد بالتصميم شعب الخضراء يعيش كريم وهو ما يفسر ان ذلك الأوركاستر السمفوني التونسي ظل حكرا على العازفين والأساتذة من البلدان الاوروبية الاشتراكية مثل تشيكسلوفاكيا ورمانيا وبلغاريا ما عدا القائد وهو الفرنسي نيكولي Nicollet والذي خلفه الفنان التونسي احمد عاشور سنة 1973 وليس سن 1979 كما ذكر ذلك خطأ زرياب. 9 وأما عن بلدية العاصمة فقد اسست في الخمسينات فرقتين الاولى للمسرح وعهدت الى المرحوم حمادي الجزيري في حين ان الفرقة الثانية للموسيقى قد عهدت الى الفنان عبد الرحمان المهدي باعتباره كان صناعيا بسوق الشواشية فتم تعيينه عضوا بالمجلس البلدي سنة 1952 وقد ذكر ذلك بنفسه في حديث صحفي وبما ان عبد الرحمان المهدي لا يعدو ان يكون والد صالح المهدي فقد كلف ابنه بهذه المهمة فما كان منه الا ان حول فرقة الرشيدية الى فرقة للبلدية وهو ما نراه اليوم وما اشبه البارحة باليوم مع الفنان عبد الحميد بالعلجية الذي حول فرقة الاذاعة الى فرقة الرشيدية باعتباره يجمع إدارة قسم الموسيقى بالاذاعة وإدارة التعليم بالرشيدية. 10 وأخيرا لا آخرا فإن الكتاب الذي يتحدث عنه زرياب بنون الجماعة وقد كتبه بالفرنسية ثم يقول جعلناه بالايطالية والانقليزية والألمانية حتى غزا اللغة اليابانية وراج رواجا كبيرا في بلاد الواق الواق وهي اليابان فإني اتساءل أنّى للاستاذ صالح المهدي شهر زرياب ان يؤلف كتبا في الموسيقى بلغات لم يدرسها ولو يوما واحدا في حياته باعتباره خريج جامع الزيتونة المعمور التي كانت موادها كلها تدرس باللغة العربية؟ وباعتبار ان زرياب موسيقي لا يشق له غبار مشهود له بقامته الابداعية وقيمته المرجعية وهو الذي مثل بلادنا ومازال يمثلها في كل المحافل الدولية على امتداد ستين عاما قد فاته ان كتبه لم تعد معتمدة في تعليمنا الحالي وقد تداول على تأليف الكتب الخاصة بالتربية الموسيقية ثلة من الاساتذة امثال محمد سعادة واحمد عاشور وخليل حفحوف ويوسف القريتلي ومحمود قطاط ومحمد القرفي وغيرهم. لذلك اعتقد مخلصا ان زرياب قد تجاوزته الاحداث ولم يعد يواكب مجريات الحركة الموسيقية رغم انه مازال يعد برنامجا إذاعيا تبثه اذاعتنا اسبوعيا وهو متواصل منذ تأسيس الاذاعة سنة 1938 اي على امتداد ستين عاما باعتبار ان زرياب في الثمانين من عمره وهو من مواليد 09 فيفري 1925 امدّ الله في انفاسه حتى يبقى وحيد عصره وفلتة دهره ومسك الختام ان يتكرم زريابنا بالتصويبات الخاصة بهذه التعقيبات حتى نكون له من الممنوين الشاكرين وقديما قيل «يوجد في البحر الزريابي ما لا يوجد في النهر الساحلي».