ان من أكبر المصائب التي ابتلي بها المسلمون عبر تاريخهم وفتكت بهم وأطاحت برايات مجدهم الاختلاف والتفرق وصدق الله عز وجل اذ يقول: {يا أيّها الَّذِينَ آمَنُواْ اِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ اِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال:45/ 46)
ان من أهم عوامل قوة أمة من الأمم الاتحاد بالاتحاد تنال الأمم مجدها وتصل الى مبتغاها وتعيش حياة آمنة مطمئنة بالاتحاد تكون الأمة مرهوبة الجانب مهيبة عزيزة. لقد تنوعت أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة فتارة يأمر بالوحدة أمرا صريحا كما في قول الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ اِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ اِخْوَانا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .
لا تَفَرَّقُوا
وفي صحيح مسلم ٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم: «اِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَاِضَاعَةِ الْمَالِ». وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: «لا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ اِخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» .
فهذه الأدلة تأمر المسلمين بالأخذ بكل ما يزيد المحبة بينهم والنهي عن كل ما يولد البغضاء في صفوفهم وتأمرهم صراحة بأن يكونوا اخوة ولا يمكن أن يكونوا اخوة الا اذا كانوا متحدين فإن الأخوة ضد الفرقة والاختلاف. وبالمقابل حذرنا القرآن الكريم من الافتراق والاختلاف قال الله عز وجل: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ اِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّاِبرِينَ} (الأنفال:45). عن زَكَرِيَّا بْنَ سَلَّامٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ انْتَهَيْتُ اِلَى النَّبِيِّ وَهُوَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَاِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَاِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ» قالها ثلاث مرات.
المؤمن للمؤمن كالبنيان
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وقال: «المسلم أخو المسلم». ونهى الدين أن يهجر المسلم أخاه المسلم وأمر بإفشاء المسلمين السلام بينهم من أجل اشاعة المحبة والاخاء.
ان التاريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول على اختلاف عقائدها ومللها التفرق والاختلاف وقد سقطت الخلافة العباسية بعد أن تفرقت الى دول. وسقطت الدولة الاسلامية في الأندلس بعد أن أصبحت دويلات متفرقة متناحرة لا همّ لأحدهم سوى التلقب بألقاب المَلك والسلطان حتى ولو كان على بقعة لا تتجاوز زريبة خرفان.ولم تسقط الدولة العثمانية الا بعد أن تمزق جسدها الى أشلاءَ متناثرة وبعد أن نجح الأعداء في بثّ الفتن والتحريض على التقاتل بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد عملا بقاعدة : فرِّق تسُد .
نحن في تونس اليوم في ظرف أحوج ما نكون فيه الى الوحدة وجمع الكلمة واجتناب التنازع والخلاف خاصة أن بلادنا تمرّ بهذه المرحلة الانتقالية الحرجة بعد الثورة ومن حَقّنا ذلك بل هو أمر واجب علينا.ان الاختلافات لا يجوز أن تؤدّي الى صراعات لأن هذه الصراعات لا تحلّ المشاكل بل تزيدها تعقيدا واحتقانا.
ومن الخطإ وليس من المصلحة أن يوجّه كلٌّ واحد أصابع الاتهام نحو الآخر فحذار ثم حذار أن تؤدي الاختلافات الحزبية والايديولوجية والمصالح الضيقة الى الصراع وزرع الحقد بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد والتاريخ الواحد واللسان الواحد وحذار من ايقاظ الفتنة بين التونسيين لخدمة مخططات مشبوهة لا تريد الخير لهذه البلاد لأنه لمن المحزن جدا أن تتطور بعض المشاكل الى صراعات دموية يحمل فيها التونسيون العصي والهراوات وحتى الأسلحة النارية في وجوه بعضهم البعض كما حدث أخيرا في بعض المناطق من البلاد.
فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها وحذار من الانجرار وراءها. فالحوار الهادئ هو أحسن وسيلة لحلّ المشاكل ورفع المظالم واجتناب الفتن.
فتونس اليوم هي أمانة في رقابنا جميعا يجب أن نحافظ عليها من كل التداعيات والانزلاقات الخطيرة التي لو وقعت لا قدّر الله لأتت على الأخضر واليابس فكلنا تونسيون يجمعنا دين واحد ووطن واحد ومصير واحد فاتقوا الله في وطنكم.