إن حُب الإنسان لوطنه، وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه الله تعالى {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}(هود61). وإن المسلم الحقّ يعمل للأمة، ويحزن لحزنها، ويفرح لفرحها، ويدافع عنها، ويسعى لوحدتها. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أطيبك من بلد وما أحبك إليّ ولولا أن قومي أخرجوني ما سكنت غيرك. عن عائشة رضي الله عنها أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعا فقال: اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أوأشدَّ. (رواه البخاري ومسلم) وعنه صلى الله عليه وسلم أنه نظر إلي أحد فقال: هذا جبل يحبنا ونحبه. (متفق عليه) وفي هذا بيان أن حب الوطن ليس من أجل الدين فقط بل هو شعور يختلج في قلب كل إنسان ببلاده. الدعاء للوطن
ويتمثّل حب الوطن في: 1- الأقوال والأفعال، وأجمل ما يتجلى به حبُّ الوطن الدعاء له. لقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة، فقال: اللهم باركْ لنا في تمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعِنا، وبارك لنا في مُدِّنا، اللهم إن إبراهيمَ عبدُك وخليلُك ونبيُّك، وإني عبدُك ونبيُّك، وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة، ومثله معه. (رواه مسلم).
2- الإحسانَ إلى الجوار مِن كمال الإيمان وجعل الإساءة إلى الجوار من أسباب دخول النار: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ . (الطبراني) وتتَّسع الدائرة لتشمل الإحسان إلى كل مسلم قال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّه لنفسه.(رواه البخاري ومسلم) وتتسع الدائرة لتشمل الإحسانَ إلى أهل الأديان الأخرى، وهم شركاؤنا في الوطن.
3- نشر العلم بين أبناء الأمة، فكانت أول آيات القرآن الكريم نزولاً {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق 1) وأول أداة وآلة ذُكِرتْ في القرآن هي القلم، قال تعالى {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (القلم 1) ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبدأ بتأسيس حضارة إسلامية، بدأ بنشر التعليم بين أبناء المدينةالمنورة، فجعل فديةَ مَن يعرف القراءةَ مِن أسارى بدرٍ أن يُعلِّم عشرةً مِن أبناء المسلمين.
4- العمل والإتقان: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَلاَّ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَفْعَلْ.(رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني) وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. (رواه الطبراني) 5- الحفاظ على الحق العام، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس شركاءُ في أمورٍ، لا يجوز لأحد الاستئثارُ بها، أو الاعتداء عليها. قال صلى الله عليه وسلم الناس شركاء في ثلاثة: في الكلإ، والماء، والنار. (رواه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقات) وقال: وإماطة الأذى عن الطرق صدقة. (صححه الألباني) وقال: أعطوا الطريق حقه. (صحيح أبي داود) وقال: اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ. قَالُوا: وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ. (سنن أبي داود) 6- عدم العصبيةَ، التي يُراد بها تقسيمُ الأمة إلى طوائفَ متناحرةٍ، متباغضة، متنافرة، يَكِيد بعضها لبعض، وفي الحديث: مَن قُتل تحت راية عُمِّيَّة، ينصر العصبية، ويغضب للعصبية، فقتلتُه جاهليةٌ.
7- العدلَ والإنصاف وعدم اتِّباعَ القومِ أنَّى ساروا، ونصرَهم على كل حال؛.وعن عبَّاد بن كثير الشامي، عن امرأةٍ منهم يقال لها: فسيلة، قالت سمعت أبي يقول: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أمِنَ العصبيةِ أن يحب الرجلُ قومَه؟ قال: لا، ولكن من العصبية أن يُعِينَ الرجلُ قومَه على الظلم. (رواه أحمد وابن ماجه)