ظهرت خلال الايام الماضية عديد المؤشرات على وجود انتشار واسع ومكثف لتجارة تهريب الأسلحة ومعدات القتال الى جانب تجدد المواجهات بين القوات الأمنية والعسكرية مع المجموعات المسلحة من حين إلى آخر ولفترات طويلة وفي عدة مناطق من تراب الجمهورية وخاصة على الحدود مع كل من ليبيا والجزائر. وكثفت السلطات مجهوداتها في المدة الأخيرة للسيطرة على هذه العمليات من خلال احباطها لعدة محاولات تهريب وحجزها لكميات هامة من الأسلحة والخراطيش والمتفجرات إلا أن هذه المجهودات لم تثمر بعد مما جعل المواطن الذي كان يخشى فقط من عمليات السطو و«البراكاجات» التي تتم بواسطة الأسلحة البيضاء يعيش حالة من الرعب والذعر لوجود خطر اكبر وهو خطر انتشار السلاح الناري وكنا شهدنا في عهد الحكومة السابقة حتى عمليات سطو مسلح على بنوك وقباضات مالية.
الاسباب
ولم نكن قبل 14 جانفي نتحدث عن استعمال السلاح أو مسكه او الاتجار به الا من قبل بعض المواطنين الذين يملكون تراخيص في حمل السلاح بغرض حماية ممتلكاتهم من بعض الحيوانات خاصة في المناطق التي تعرف بوجود الخنزير البري أما الآن فأصبحنا نتحدث عن شبكات وعصابات تستعمل الأسلحة النارية وتدخلها الى تراب الجمهورية وتتاجر بها لكن لا احد يعرف من هي اوان كانت تعتبر تونس مجرد نقطة مرور ام انها تندرج ضمن السوق التي تنشط فيها؟
ما من شك في أن خطر انتشار تهريب الأسلحة النارية بتونس له انعكاسات خطيرة على صورة تونس بالخارج إضافة إلى أنه يهدد أمن المواطن الذي يفاجئ بين الحين والآخر بمثل هذه العمليات اضافة الى الانعكاسات الخطيرة التي يمكن أن تضر باقتصاد البلاد المرتكز أساسا على استقرارها الأمني.
والمتابع لمسألة تهريب الأسلحة كانت قبل هذه الفترة تمر عن طريق الحدود التونسية الليبية وكانت هذه العمليات قليلة وتكاد أن تكون منعدمة لسيطرة الجيش والأمن على الوضع باعتبار أن الحدود التونسية الليبية هي سهول وهي مراكز مكشوفة وقد اصبحت هذه المجموعات تقوم بعمليات التهريب عبر الحدود التونسية الجزائرية وهي مناطق جبلية وغير مكشوفة وفي صورة التفطن الى وجودهم فإن امكانية الهروب متاحة وهوالأمر الذي تطرق له مؤخرا خبير عسكري بإحدى القنوات التلفزية.
ومن العوامل التي ساهمت ايضا في انتشار هاته الظاهرة كمية السلاح الكبيرة التي خلفتها الثورة الليبية والتي تقدر بالملايين واغلبها هي بيد مليشيات قد تسعى الى بيعها خارج ليبيا خاصة بعد ان بدأت الاوضاع السياسية تتضح هناك.
أحداث دامية وعنيفة
وقد أسفرت تلك العمليات مؤخرا عن مقتل الوكيل أنيس الجلاصي بعد اصابته برصاصة وجرح جنديين بمنطقة درنانة التابعة لولاية قصرين وذلك أثناء اشتباكات دارت بين أعوان الحرس وأربعة مسلحين تحصنوا بالفرار نظرا إلى وجود تضاريس وعرة جدا وغابات وأودية بهذه المنطقة.
ومن العمليات الأخرى التي استطاع أعوان الحرس والجيش اماطة اللثام عنها هي السيارة التي تم حجزها مؤخرا بمنطقة فرنانة التابعة لولاية جندوبة والتي كانت محملة بالأسلحة من نوع كلاشينكوف ومئات الخراطيش اضافة الى المتفجرات والخرائط. وقد اسفرت الأبحاث الأولية عن ايقاف سبعة أشخاص يقال إنهم من المحسوبين على التيار السلفي وإن هناك من بينهم من تورط في أحداث سليمان.
وفي نفس السياق تمكنت الوحدات الأمنية من القبض على أحد المتورطين في أحداث فرنانة وبحوزته سلاح ناري من نوع كلاشينكوف وحوالي 30 خرطوشة بأحد المنازل بمنطقة تاجروين من ولاية الكاف وذلك بتاريخ 12 ديسمبر الماضي وقد تم تقديمه الى قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس الذي أصدر في حقه بطاقة ايداع بالسجن. ومن الاحداث الأخرى التي مازالت عالقة في ذهن المواطن التونسي هي أحداث بئر علي بن خليفة التي أسفرت عن اصابة 3 ضباط من الحرس والجيش الوطني وذلك اثر اشتباكات دارت بينهم وبين مسلحين كانت بحوزتهم أسلحة نارية ومئات الخراطيش وقد تم القبض على المتورطين في هذه العملية وقد تبين أن هناك من بينهم من حوكم ضمن قانون الإرهاب في عهد الرئيس المخلوع وذلك حسب ما جاء في بلاغ صادر عن وزارة الداخلية بتاريخ 1 فيفري 2012 علما أن الأبحاث مازالت جارية معهم.
كما بقيت أيضا أحداث الروحية التي جدت يوم 18 ماي 2011 وتمثلت في اشتباكات بين عناصر من الجيش والحرس الوطنيين وعنصرين ارهابيين أدت إلى وفاة المقدم بالجيش الوطني الطاهر العياري والرقيب الأول بالجيش وليد الحاجي وإصابة العريف بالجيش صغير المباركي بجروح خطيرة استوجبت خضوعه لعملية جراحية بمستشفى سليانة كما أصيب مواطن يدعى صلاح زغدود برصاصة في اليد إضافة إلى مقتل العنصرين الإرهابيين التونسيين سفيان بن عمر وعبد الوهاب حميد اللذين يحاولان ادخال أسلحة نارية ومعدات قتالية الى تونس رفقة مجموعة أخرى من الإرهابيين الذين تمكن البعض منهم من الفرار في حين تم ايقاف البعض الآخر.
وفي نفس الإطار وحسب مصادر اعلامية وأمنية فقد تم صباح أمس الأول ايقاف مجموعة مسلحة أخرى بحوزتها 10 بنادق صيد وقنص وذلك بالطريق الرئيسية الرابطة بين رمادة وتطاوين.
ورغم نقص المعلومات وغياب التفاصيل الدقيقة عن كميات الأسلحة التي تم حجزها والجهة التي تقف وراءها فإن الاتهامات تنحصر في جهتين أساسيتين هما تجار السلاح والمجموعات السلفية التي لها علاقة بتنظيم القاعدة بالمغرب العربي الإسلامي.
فقد ذكر عدد من الخبراء في الأسلحة في مناسبات سابقة أن تونس مجرد محطة عبور لتهريب الأسلحة نحوالجزائر وليبيا وكذلك بعض الدول الإفريقية الإخرى ولكن بتواصل المواجهات بين السلطات العسكرية والأمنية مع المجموعات الإرهابية المسلحة في أماكن مختلفة وبين اللحظة والأخرى خلال هذه الفترة يعزز فكرة أن تونس مستهدفة من قبل تنظيم القاعدة الذي ينشط مع المحسوبين على التيار السلفي وذلك حسب ما ذكرت بعض المصادر خاصة أن أحد المنتمين الى تنظيم القاعدة تحدث مؤخرا عبر شبكة التواصل الاجتماعي وأكد أن تونس من بين الدول المستهدفة ليبقى السؤال المطروح هل أن تونس بالفعل مجرد نقطة عبور وبالتالي يجب تركيز أكثر الدوريات الأمنية والعسكرية عبر الحدود مع تجهيزها بأحدث الوسائل حتى يمكنها أن تحبط عمليات التهريب أم أنها مستهدفة من قبل تنظيم القاعدة؟ وهو الأمر الذي يتطلب مجهودات مكثفة وتدخل عاجل لوقف هذا الخطر الذي يمكن أن تصبح تونس بمقتضاه من الدول الإرهابية.