بناية بلا أبواب وبلا نوافذ, جدران وأسقف التهمت النيران بعض أجزائها وأرضية تغطيها كل أنواع القاذورات بناية كانت بالأمس رمزا للسلطوية والتسلط وغدت اليوم بؤرة خطيرة للأوبئة والامراض, هذا هو حال مقر معتمدية الرديف بولاية قفصة. هذه المدينة التي فارقتها السلطة بعد ان فرقتها السياسة و الاحزاب, فغاب بالتالي الاهتمام بمصالح البلدة والمواطنين خاصة بعد حل المجلس البلدي عقب الثورة وتعذر تكوين نيابة خصوصية الى حد هذا اليوم وهو ما جعل هذه المدينة المنجمية تغرق في مشاكل جمة لم يعد بالإمكان اخفاء تذمر الاهالي منها.
«الشروق» تفتح هذا الملف من اجل فك طلاسمه فطرحت جملة من الاسئلة بهدف تحديد تمفصلات هذا المشكل وأسبابه. فما هو السبب الذي جعل مقر معتمدية الرديف يؤول الى هذا الحال؟ وماهي اسباب غياب السلطة في هذه المدينة؟ وما الذي يعرقل تشكيل النيابة الخصوصية فيها؟ وما حجم الجهود المبذولة نحو تذليل العقبات الحائلة دون عودة السلطة الى هذه المدينة؟
إحراق المعتمدية وتدخل الهلال الاحمر
لقد تعرضت معتمدية الرديف للحرق يوم الاحد 19 فيفري 2012 من طرف بعض شباب المدينة بدافع الغضب بعد ان ضبطوا فتاة مع بعض الجنود داخل مقر المعتمدية التي ظلت منذ الثورة تحت حراسة الجيش الوطني نظرا لعدم توفر معتمد بالمدينة ومن خلال لقائنا بالسيد الطيب بن عبد الله مدير فرع الرديف للهلال الاحمر التونسي اكد لنا انه ومباشرة بعد عملية الحرق بثلاثة ايام وخوفا من ان يؤول مصير مقر المعتمدية الى ما آلت اليه دار التجمع سابقا عقدت الهيئة اجتماعا عاجلا من اجل تدارك الموقف حيث تم فتح باب التبرعات وانطلقت عمليات الاصلاح والصيانة التي شهدت اقبالا كبيرا وبشكل عفوي من طرف المواطنين وهو ما اعتبره محدثنا تعبيرا عن استياء الاهالي من عملية الحرق هذه وهكذا تم اصلاح ما اكلته النيران من البناء ودهنه وتجهيز كل المداخل بأبواب حديدية لحمايتها إلا انه وبعد 6 اشهر من اصلاحها وبقائها مغلقة وتحديدا في شهر جويلية 2012 وقعت عملية خلع للمعتمدية من جديد (ويهم هنا ان نشير الى ان سبب الخلع بالأساس لم يكن التخريب وإنما من اجل استغلالها من طرف بعض الشباب المفطرين في شهر رمضان) فتم ابلاغ السلطات الجهوية المتمثلة في شخص السيد والي قفصة بالحادثة من طرف جمعية الهلال الاحمر بالرديف عن طريق فاكس تسلَّم مركز الامن العمومي بالرديف نسخة منه ينبه الى امكانية تعرض مقر المعتمدية الى الحرق من جديد وهو ما تم فعلا في ظل غياب اي تدخل من طرف السلطات المحلية او الجهوية للحيلولة دون ذلك وبالرغم من اتصال السيد معتمد الرديف واستفساره فيما بعد عن الحادثة وإرساله لوفد لمعاينة الاضرار والنظر في سبل الاصلاح إلا ان التدخل الفعلي ظل غائبا الى اليوم.
تجاذبات سياسية... وغياب للتوافقات
في اطار مزيد الحرص على الاحاطة بهذا المشكل اتصلنا بالسيدين محسن عميدي وتوفيق بوعوني من مكتب حركة النهضة بالرديف واللذان أكدا على وجود اطراف في مدينة الرديف ترفض عودة المعتمد نظرا لأدائه المشابه لمعتمدي النظام السابق وأما فيما يخص النيابة الخصوصية فقد اكد محدثانا بأن حركة النهضة قد بادرت بتقديم قائمة وقع فيها تشريك جميع الاحزاب إلا ان حزبي العمال و الوطد رفضاها ثم تم السعي نحو قائمة جديدة تضم جميع الاحزاب وأطياف المجتمع المدني بشرط ان تكون رئاسة البلدية لحركة النهضة إلا ان هذا المقترح قد جوبه ايضا بالرفض ثم كانت محاولة اخرى لانجاز قائمة مستقلين متميزين بنظافة اليد والتفرغ والكفاءة ويتم الاستناد فيها الى التمثيلية الجغرافية غير ان القائمة التي تم تقديمها حسب آراء محدثينا لم تكن تضم فعليا اشخاصا مستقلين هذا وقد اكد السيد توفيق بوعوني بأن الحركة لا زالت الى الان تبحث عن التوافق من اجل تكوين هذه النيابة الخصوصية مراعاة لمصلحة الرديف وأهلها. أما السيد عدنان الحاجي فقد حمّل مسؤولية غياب السلطة الى الحكومة معتبرا ان ذلك يدخل في اطار سعي السلطة نحو استنزاف الطاقات النضالية لأهالي الرديف وبالتالي افقاد الشارع لزخمه النضالي وبالرغم من تأكيده على رفضه لخطة المعتمد وسياسة التنصيب التي يرى انه يجب الاستعاذة عنها بانتخاب جميع المجالس الجهوية والمحلية غير انه اكد ايضا على وجود مساع رامية الى اعادة المعتمد وتكوين نيابة خصوصية غير ان هذه المساعي باءت حسب رأيه بالفشل بسبب مطالبة حركة النهضة بأن يكون لها النصيب الاوفر في عدد اعضاء النيابة مستندة في ذلك الى نتائج انتخابات المجلس التأسيسي وهو ما اعتبره الحاجي غير معقول باعتبار انه لا يجب الاستناد الى نتائج انتخابات خاصة بالمجلس التأسيسي في تكوين باقي الهياكل المحلية والجهوية متسائلا بالتالي عن جدوى الانتخابات البلدية وغيرها إذا تمّ الامر على هذه الشاكلة.
ومن جهته اكد لنا السيد حافظ سويدي الكاتب عام المساعد الجهوي لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية على مطالبتهم بالتسريع في عملية اصلاح مقر المعتمدية من اجل التعجيل بعودة السلطة الى المدينة وعودة الموظفين بغاية خدمة مصالح المواطنين بعيدا عن كل التجاذبات السياسية وإعطاء العلوية فقط للوطن والمواطن الذي عبر السيد حافظ عن ضرورة اشعاره بالأمن والثقة في بلده مبديا بذلك استعدادهم للمشاركة في كل المجهودات الرامية الى خدمة البلاد والمواطن في مدينة الرديف, كما اكد السيد عبد الحفيظ الاشخم كاتب عام نقابة المناجم على محاولتهم الرامية الى اعادة المعتمد الى المدينة وذلك من خلال اجتماعهم بالوالي بهذا الخصوص والذي عبر لهم ان الحائل دون ارسال المعتمد الى الجهة هو غياب ضمانات أمنه الخاص ومعبرين في الاثناء عن رغبتهم الاكيدة في تذليل كل المشاكل والصعوبات التي تواجهها هذه المدينة.