السعادة هي صلاح الحال بتغلّب طيّبات العيش على مكارهه وهي انشراح صدر لمبدإ يعيشه وراحة بال وقلب لخير يكتنفه؟ إذا سألت أحدا وقلت ما هو مفهوم السعادة عندك؟ فماذا كان يجيب يا ترى ؟ ربّما يرى المريض سعادته في الشفاء، وآخر يرى سعادته في قضاء دينه، والذي هو في ورطة سعادته في أن تحلّ مشكلته. ..؟
ولكن هل سعادة الفقير أن يصير غنيا؟ والعزباء في أن تتزوّج؟ والخائف أن يؤمن؟ الكل يبحث عن السعادة.. ولكن اختلف الناس في الوسائل المحصلة لها: فذاك يظنّها في المال والثرى، وذاك يزعم أنها في تمكين النفس من الملذات والشهوات، وذاك يظنّها في مشاهدة القنوات المحرّمة، ومعاكسة الفتيات، وتناول المسكرات ومخدرات، وذاك يظن أنها في منصب وجاه وسلطان، وتلك امرأة تظنّها في لبس الضيق من الثياب أو في نزع الحجاب، أو التعلق بأحد الفتيان أو الفتيات. هل أنّ السعادة في قصور كسرى وقيصر وجيوش هارون الرشيد وكنوز قارون وملك سليمان عليه السلام؟
بعض المفاهيم للسعادة
المتدبر في كتاب الله عزّ وجلّ يعلم علم اليقين أنّ قارون ما أسعده كثرة ماله الذي قال الله فيه {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} (القصص 76) فرح بالنعمة وغفل عن المنعم و{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} (القصص 78) فكانت النتيجة {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} (القصص 81) ولكن سعد بها عبد الرّحمان بن عوف رضي الله عنه الذي بشر ه النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه واحد من العشرة المبشرين بالجنّة كان يتصدّق بما أنعم الله عليه من مال على الفقراء والمساكين وذوي الحاجة من الصحابة...
وفريق يرى أنّ السعادة في الجاه والسلطة والنفوذ، ألم تكن قصة فرعون لهم عبرة {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الزخرف 51) ولم يكتف بهذا ولكنّه ادعى الربوبية {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات 24) فكان جزاؤه الغرق فقال تعالى {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا} (الإسراء 103) وسعد بها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين حين خرج من بيته فوجد ثلّة من الصحابة أمام بيته ولمّا سألهم لماذا؟ قالوا نحرسك يا أمير المؤمنين فقال: من أهل السّماء أو من أهل الأرض فقالوا من أهل الأرض فقال: إذا نزل قدر الله فلا راد له.
وآخر يرى سعادته في الوزارة فما أسعدت همان الذي كانت عاقبته جهنّم وبأس المصير بإتباعه فرعون وعمله، وسعد بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أقام العدل بين جميع النّاس ففاز برضا الله وجنات النّعيم.
ومن النّاس من يظنّ أنّ السعادة في ارتفاع دخله فنقول ما أسعد ارتفاع الدخل الفردي للمواطن في السويد أو الدنمارك أو النرويج فنسبة الانتحار في هذه البلدان حطمت الأرقام القياسية. ولكن سعدت بها أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنه حين أعطاها الخليفة مائة وثمانون ألف درهم فما أبقت منها ولا درهم.
من أسباب السعادة
1 معرفة الله بأسمائه الحسنى. 2 الإيمان. 3 إنّك لن تنال السعادة إلاّ في قراءة القرآن. 4 الإكثار من ذكر الله: قال تعالى {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد 28). وعن النّبيّ صلى الله عليه و سلّم قال: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجا ومن كلّ ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب». (رواه أحمد). 5 تنال السعادة إذا كنت تاركا للذنوب مبتعدا عن الشهوات قال تعالى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (طه 123). 6 ومن أسباب السعادة الإستقامة. 7 الإيمان بالقضاء والقدر: قال تعالى {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة 51)