الليلة: أمطار مؤقتا رعدية مع تساقط محلي للبرد    وزير السياحة يتباحث مع نظيره الكونغولي سبل تطوير التعاون ودعم الربط الجوي    كرة اليد: نضال العمري يعزز صفوف الترجي في بطولة إفريقيا    تحويل جزئي للمرور على مستوى مدخل المروج وفوشانة بداية من مساء الأربعاء    المحامي غازي المرابط: "مراد الزغيدي مسجون بسبب تحليلاته النقدية.. والقضية المثارة ضده لا تحمل أدلة مادية"    عاجل/ خرّيجو الجامعات ممّن طالت بطالتهم يحتجّون في ساحة القصبة    بطولة الرابطة الثانية: موعد المباريات    اتصال هاتفي بين محمد علي النفطي ونظيره النيجيري...تفاصيل    بشبهة مسك وحيازة مخدرات: الإبقاء على لاعب دولي في كرة اليد بحالة سراح    مؤشرات إيجابية للنشاط التجاري للخطوط التونسية للفترة المتراوحة من أكتوبر 2024 إلى مارس 2025    أنس جابر تعود لملاعب روما في هذا الموعد    ليبيا ترفض ترحيل مهاجرين من أمريكا إلى أراضيها    عاجل/ نسبة إمتلاء السدود الى حدود اليوم الأربعاء    مطار قرطاج: ضبط كمية من الذهب وايقاف مسافرتين    سيدي بوزيد: انطلاق أولى رحلات حجيج الجهة نحو البقاع المقدّسة في هذا الموعد    مركز النهوض بالصادرات ينظم مشاركة الشركات التونسية في معرض الجزائر الدولي من 23 الى 28 جوان 2025    الدوري الأوروبي: أتليتيك بيلباو يعلن غياب الشقيقان وليامز عن مواجهة مانشستر يونايتد    أمينة الصرارفي تبحث واقع مراكز الفنون الدرامية وتدعو لترشيد النفقات    اجتماع تنسيقي بين وزارة الشؤون الثقافية واتحاد إذاعات الدول العربية تحضيرا لمهرجان الإذاعة والتلفزيون    نفوق 7 أبقار بالمهدية.. الاتحاد الجهوي للفلاحة يوضح    مختص في طب الاستعجالي: نقص التكوين في الإسعافات الأولية يعرض حياة ''التوانسة'' للخطر    سيدي بوزيد: اللجنة المحلية لمجابهة الكوارث بسيدي بوزيد الغربية تنظر في الاستعدادات لموسم الحصاد وفي سبل التصدي للحشرة القرمزية    حي التضامن: القبض على 03 من مروّجي المخدرات وحجز كميات من الكوكايين والإكستازي    مركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة ينظم تظاهرة فكرية ثقافية حول 'المرأة والتراث بالكاف    الديوانة التونسية تحبط عمليات تهريب قياسية: محجوزات بالمليارات    تحذير هام من الإستخدام العشوائي للمكمّلات الغذائية.. #خبر_عاجل    كيف تتصرف إذا ''لسعتك عقرب والا عضّتك أفعى''    طريقة فحص بطارية السيارة في المنزل: خطوات بسيطة لتجنب المفاجآت    كل ما تريد معرفته عن الازدواج الضريبي للتونسيين بالخارج    الزمالك يعلن إقالة مدربه بيسيرو    تونس: الحماية المدنية تدعو إلى الالتزام بإجراءات السلامة خلال رحلات التّنزه    حماس تدعو إلى ملاحقة قادة الكيان الصهيوني أمام المحاكم الدولية كمجربي حرب..#خبر_عاجل    اليوم في المسرح البلدي بالعاصمة: فيصل الحضيري يقدم "كاستينغ" امام شبابيك مغلقة    مصر وقطر في بيان مشترك: جهودنا في وساطة غزة مستمرة ومنسقة    هذه أسعار أضاحي العيد بهذه الولاية..    منظمة إرشاد المستهلك تعبّر عن انشغالها بشأن عدم تطبيق بعض البنوك للفصل 412 جديد من المجلّة التجاريّة    عاجل/ نفوق عدد من الأبقار ببنزرت..وممثّل نقابة الفلاحين بالجهة يكشف ويُوضّح..    أطعمة تساهم في خفض ضغط الدم دون الحاجة لتقليل الملح    وليد بن صالح رئيسا للجامعة الافريقية للخبراء المحاسبين    هام/ موعد اختتام السنة الدراسية..وتفاصيل روزنامة الامتحانات..    وزير التشغيل والتكوين المهني يدعو الى ترويج تجربة تونس في مجال التكوين المستمر دوليا    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    باريس سان جيرمان وأرسنال..موعد المباراة والقنوات الناقلة    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    عاجل : وزارة التجهيز تعلن عن موعد انتهاء أشغال تهيئة المدخل الجنوبي للعاصمة    تفعيل خدمات النفاذ المجاني للأنترنات بمطارات صفاقس وتوزر وقفصة وطبرقة وقابس    بطولة الكويت - طه ياسين الخنيسي هداف مع نادي الكويت امام العربي    قتلى وجرحى في قصف متبادل بين الهند و باكستان    الصين: روبوت يخرج عن السيطرة و'يهاجم' مبرمجيه!    هدف فراتيسي يحسم تأهل إنتر لنهائي رابطة الأبطال بفوز مثير على برشلونة    كوريا الشمالية.. الزعيم يرفع إنتاج الذخائر لمستوى قياسي ويعلن الجاهزية القصوى    المهدية: اختتام مهرجان الوثائقي الجوّال في نسخته الرابعة: الفيلم المصري «راقودة» يفوز بالجائزة الأولى    في تعاون ثقافي قطري تونسي ... ماسح الأحذية» في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    كل ما تريد معرفته عن حفلة ''Met Gala 2025''    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة سنة II : تحرّرت الكلمة.. ولم نتحرّر من اليأس
نشر في الشروق يوم 09 - 01 - 2013

سنتان بعد قيام الثورة يسود شعور عام بأنها لم تكتمل وأنها لم تحقق أهدافها في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. لكن الانتقال الديمقراطي يسير في النهج الصحيح والكلمة صارت حرّة.

لا شك ان كثيرا منا لا يزال يذكر تلك النكتة التي ظهرت في منتصف التسعينات من القرن الماضي والتي تحكي قصة كلب قرّر أن يهاجر إلى الجزائر فاعترضه على الحدود كلب جزائري كانت تبدو عليه علامات التعب والجوع والهزال. سأل الكلب الجزائري الكلب التونسي عن الأسباب التي تدفعه إلى الهجرة قائلا في لهجة المستغرب: «كيف تترك بلدا عمّ فيه الرخاء والاستقرار واستتب فيه الأمن والنظام لتستبدله ببلد مضطرب الأحوال تفشى فيه الفقر والنقص؟».
فأجاب الكلب التونسي دون تردّد: «أعلم كل ذلك لكني اشتقت إلى النباح فجئت إلى بلدكم لأنبح بكل حرية»..

لفهم مغازي هذه النكتة لا بد من التذكير بسياقها التاريخي حيث كانت الجزائر زمنئذن قد خرجت من مأساة حرب أهلية دامت عشر سنوات وحصدت أرواح الآلاف من أبناء الجزائر وعطلت مسيرة نموّها وأصابتها بالانكماش لكنها مكّنتها من كسب لا يقوّم بثمن: إنها حرية التعبير. في ذلك الوقت كانت تونس تسجل نتائج اقتصادية واجتماعية ملفتة لكنها كانت تختنق تحت غطاء رصاصي وكان المبدأ الوحيد المسموح به هو «استهلك واسكت!».

الكلمة تحررت

عامان بعد ثورة 14 جانفي أصبح التونسي ينعم بالحرية وهي أغلى النعم.
الحرية حريات وأولها عدّا وقيمة هي حرية التعبير. لقد تحررت الكلمة في الشارع وفي مكان العمل، في الريف وفي المدينة، وتحررت خصوصا في وسائل الاعلام وتولّد عن ذلك رأي عام وطني لا يزال هشّا وسهل الانسياق لكنه أصبح واقعا ملموسا بدأ يشكل قوة نافذة لا يمكن لأي سلطة حاكمة أن تتجاهلها أو تجابهها لأنها تمثل السلطة المضادة التي لا يمكن أن نتصور مستقبل حُكم لهذه البلاد دون أن تقوم هذه السلطة المضادة بوظيفتها في توفير حق نقد السلطة الحاكمة والمحاسبة الدائمة لها.

لقد عهدنا منذ اعتلاء حكومة الترويكا كرسي الحكم انتقادا شبه يومي لوسائل الاعلام وأحيانا إدانة لها بعد اتهامها بصبّ الزيت على النار والحث على التوتر والاحتقان وهذا خطأ لأن الاحتقان المزعوم والتوتر إنما يدلان على اختلاف في الرؤى وبالنتيجة على مجابهة سياسية هي في الأخير تأكيد لبروز قوى مضادة. في المشهد السياسي الوطني وهنا يكمن الفرق الجوهري مع نظام بن علي الذي لم يترك مكانا لهذه القوى المضادة ومات بسبب ذلك.

إن تحرير الكلمة سواء كان ذلك في وسائل الاعلام بأنواعها أو في الفنون الحية من رسم وموسيقى ومسرح أو في الشارع والمقهى هو الضامن لبناء مجتمع الديمقراطية الذي قامت من أجله الثورة وحتى وإن صاحب تحرر الكلمة بعض الانفلاتات أو الانزلاقات فإن الحل يكمن في مواصلة التفاؤل بوعي التونسي وقدرته على التعديل والتوازن.

وبالتوازي مع تحرر الكلمة فإن الثورة أحدثت تغييرا في المشهد السياسي الذي أصبح يتميز بتعددية حقيقية صارت تشكل أرضية الانتقال الديمقراطي الذي لأن اعترته عديد الهزات وأثقلت نسقه الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية فإنه سائر إلى الانجاز.

إحساس بالاحباط

عامان بعد الثورة ورغم تحرر الكلمة والتنظّم فإن الاحساس العام أصبحت تغلب عليه خيبة أمل. لماذا؟ لأن الانتظارات كانت أكثر مما تحقق إلى حدّ اليوم، ولأن الناس أقرنوا الثورة بتحسن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لكن أوضاعهم زادت سوءا فكبر عندهم الشعور بإحباط عبروا عنه بطرق أحيانا سلمية وأحيانا أخرى عنيفة لم تزدها إلا تأزما.

إلى جانب الشعور بالإحباط هناك شعور آخر لا يقل خطرا على مستقبل الثورة وهو الاحساس بأنها قد وقع افتكاكها من أهلها الحقيقيين الذين كانوا في المواجهة يوم قامت الثورة ومنهم خصوصا الشباب العاطل من حاملي الشهائد العليا وسكان بعض الجهات المحرومة.

غير أنه وإذا اعتبرنا أن الهدف الأول من الثورة هو بناء الديمقراطية فإن اللعبة الديمقراطية هي التي اختارت الاسلاميين النهضويين لتحقيق الانتقال الديمقراطي حتى وإن لم يكونوا في الصفوف الأولى يوم خرج الناس ثائرين. ولقد مكّن اعتلاء النهضة لكرسي السلطة من شيئين إجابيين سوف يكون لهما الأثر العام على مستقبل الديمقراطية في بلادنا.

الشيء الأول: يتمثل في تحول النهضة بفضل تجربة الحكم من حركة احتجاج ومعارضة في أصلها إلى حزب حكم وتسيير بما يقتضيه ذلك من تعديل في الخطاب ودربة على التنازل والتعايش مع أحزاب وتنظيمات لا تقاسمها بالضرورة اختياراتها الفكرية.

أما الشيء الثاني: والأهم فيتعلق بالمرور بالحكم من الشرعية الثورية إلى الشرعية الانتخابية، ويحسب هنا للنهضة أنها قلبت ضعف غيابها عند قيام الثورة إلى حضور نشيط على الساحة السياسية ودفع إلى اللعبة الانتخابية كانت هي أولى المستفيدين منه.

من منطق الثورة إلى منطق الديمقراطية

عامان بعد الثورة بدأ منطق الديمقراطية المعتمد على قوة شرعية الصناديق يأخذ السبق على منطق الثورة المتدثر بشرعية التضحية والشهادة. لكن النهضة المستفيد الأول من الثورة مثلها مثل باقي القوى الإسلامية في البلدان التي عرفت الربيع العربي، يعترضها عائقان أساسيان لا بد لها من التغلب عليهما لتحقيق تحولها نهائيا إلى حزب للحكم يساهم بفاعلية في تحقيق الانتقال الديمقراطي وبلوغ أهداف الثورة.

يتمثل العائق الأول في ظهور قوى متشددة لم تقرأ لها حسابا مثل التنظيمات السلفية التي لا تعترف في جلها باللعبة الديمقراطية والتي يتوجب على النهضة ترويضها وإدماجها ضمن العملية الانتخابية.

وأما العائق الثاني فيكمن في الأزمة الاقتصادية التي تقوي هذا الشعور بالاحباط واليأس لدى الشرائح الشعبية وخاصة منها الشابة، وهو الشعور الذي يغذي التوتر والاحتقان ويهدد البلاد بإدراجها في الدائرة المفرغة للثورة والثورة المضادة.. إلى ما لا نهاية.

وقد يكون من العاجل المتأكد أن يقع الاسراع بتحديد موعد الانتخابات والاعلان عن الدستور حتى نتهيأ للخروج من هذه الدائرة المفرغة التي تهدد الثورة نفسها ومكاسبها الكثيرة وعلى رأسها حرية الكلمة التي لا تقدر بثمن لأنها المنطلق والأساس لكل مشروع ديمقراطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.