تعاني عديد المناطق الداخلية التابعة لمعتمدية أولاد الشامخ من ترهّل البنية التحتية، وانعدام المرافق الحياتية الضرورية لعلّ من أبرزها الماء الصالح للشرب، إضافة إلى غياب وسائل الترفيه والتثقيف. عندما زرنا عددا من مناطق وقرى معتمدية أولاد الشامخ وقفنا على حجم التهميش، والإقصاء الذي تعرضت له على مدى عقود والتي يمكن أن تلاحظها بالعين المجردة انطلاقا من الحالة المتردية للطرقات والمسالك الريفية، مرورا بمعاناة رحلة البحث عن الماء الصالح للشرب، ووصولا إلى النقص الفادح في وسائل وفضاءات الترفيه لشباب وأطفال هذه المناطق المحرومة فضلا عن البطالة المرتفعة في صفوف الشباب.
معاناة يومية
أول من اعترض طريقنا شيخ في عقده السابع تجلّت على ملامحه علامات تعب السنين، وشظف العيش، لكنه لم يتردد في التعبير عن فرحته بعد أن تم مدّ قنوات الماء الصالح للشرب، وهو يأمل أن يرى الماء يتدفق قريبا عبر حنفيّة في منزله، مستعرضا المعاناة اليومية لبعض القرى المحرومة ك «أولاد عمّار» و«أولاد الجندوبي» أيّام الحرّ والقرّ، وفي شهر رمضان المعظّم، حيث يقطع متساكنوها عشرات الكيلومترات في سبيل جلب الماء الذي هو أساس الحياة للحيوان والإنسان... وأشار الشّيخ أنّه يقع استخدام الأحمرة والعربات والصّهاريج الصّغيرة للتزوّد بالماء خاصّة في فصل نزول الأمطار التي تتحوّل فيها المسالك الفلاحية إلى مستنقعات يصعب عبورها لتُعزل أكثر من منطقة طيلة شهر أو أكثر... «هكذا نعيش».. قالها الشّيخ بأنفة وكبرياء، لكن رغم ذلك لم نقطع طرقات، ولم نعتصم، ولم نحتجّ، ولم نحرق عجلات...
وغير بعيد المكان الذي التقينا فيه الشيخ استوقفتنا شابّة متخرّجة منذ سنوات وهي التي تعيل أبويها وتتمتّع بمنحة أمل التي شارفت مدة انتفاعها بها على الانتهاء، إلا أنها مازالت في انتظار «صبّان» 5 أشهر أخرى، وتأمل حتّى في الحصول على شغل ولو بأجرة زهيدة علّها تفلح في مجابهة معترك الحياة ومتطلباتها المتزايدة...
ولقد ساءها كثيرا وضع مثيلاتها ممّن ينتظرن أمل الشّغل، وهنّ البعيدات عن مركز الولاية، ويتطلّب تنقّلهنّ إليها المصاريف والمشاقّ الكبيرة، ليبادرن بالشّغل كعاملات في جني محاصيل الزّيتون بالمناطق المجاورة التي تمثل فرصة قد لا تتجدّد، لتعرّج على افتقار قرى أولاد الشّامخ إلى فضاءات ووسائل تحرّك سواكنها بأنشطة ثقافيّة وشبابيّة تحسّس بوجود مواطنين فيها، وتستمع إلى شواغلهم.
أين المكتبة المتجوّلة؟
ومع انتشار المدارس بعيدا عن التّجمّعات السّكّانيّة، يشكو الأطفال في قرى معتمدية أولاد الشامخ من نقص فادح في الأنشطة التثقيفيّة والترفيهية لملء أوقات الفراغ سواء أيّام الدّراسة أو أيّام العطل بعد أن غابت المكتبة المتجوّلة التّابعة لمندوبيّة الثّقافة بالمهديّة منذ حوالي سنتين وهي التي كانت تمكّن الأطفال من المطالعة على عين المكان، ومن استعارة الكتب مقابل اشتراكات رمزيّة، هذا إلى جانب الفراغ الذي يعاني منه شباب المنطقة في ظلّ عدم توفّر الشّغل، وانتفاء مقومات العيش الكريم في قراهم مما اضطر الكثير منهم إلى النزوح إلى مختلف جهات البلاد «المحظوظة» رغبة في التقاط لقمة العيش...
فمتى ستُسلّط الأضواء على معاناة هذه المعتمديّة التي تحتلّ المرتبة 207 في التّهميش من بين المعتمديّات التّونسيّة، وآخر المراتب في التّنمية من بين معتمديّات ولاية المهديّة