عامان مرّا على الثورة ومازال السؤال قائما من قتل الشهداء؟ من رمّل النساء؟ من يتّم الأطفال؟ أسئلة ردّدتها أمس عائلات شهداء وجرحى الثورة من الشمال الى الجنوب... داخل خيمة شيّدوها بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ولا مطلب لديهم سوى الحقيقة والمحاسبة.
تجميع الأهالي في الذكرى الثانية لثورة 14 جانفي كان ببادرة من جمعية «لن ننساكم» ومن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وكذلك التنسيقية الوطنية المستقلّة للعدالة الانتقالية.
لكن حضور عائلات الشهداء والجرحى لم يكن للاحتفال بقدر ما كان للتنديد بعجز القضاء عن الوصول الى حقيقة قتلة أبنائهم، اللذين عمّت صورهم الخيمة، هم أرادوا من هذا التحرّك التعبير عن عدم رضائهم عن الاحكام القضائية الصادرة عن المحاكم العسكرية وعدم الجدية في محاسبة المتورطين، لذلك كان الشعار الاساسي الذي رفعوه هو «لا للافلات من العقاب: شكون قتلهم؟».
في جانب آخر من الخيمة كانت صور ضحايا الحوض المنجمي لسنة 2008 حاضرة بدورها وطالب المتظاهرون بضرورة ردّ الاعتبار لأهاليهم والاعتراف بهم. هناك برنامج مدبّر للافلات من العقاب
هذا ما صرّح به السيد علي المكّي رئيس جمعية «لن ننساكم» في لقائه بالشروق موضّحا أن الاحكام الصادرة في حق المتّهمين في قضايا شهداء وجرحى الثورة غير عادلة وغير منصفة، لم تكشف عن الحقيقة بل كشفت عن عجز القضاء العسكري عن الوصول إليها.
وأضاف أنه من واجب القضاء العسكري أن يطلب من الحكومة وبالتحديد من وزارة الداخلية أن تسلّمه أدلّة الادانة وأن تتعاون معه بخصوص من تسبّب في اتلاف تلك الأدلة.
أين الارادة السياسية؟
حمل الاستاذ شرف الدين القليل محامي شهداء وجرحى الثورة والذي كان حاضرا مع العائلات مسؤولية عدم الوصول الى حقيقة القتلة الى الحكومة. وقال إن المحاسبة الجديّة والناجعة هي التي ترتبط بإرادة سياسية قوية لكنّها للاسف غائبة اليوم ولا وجود لها، بل هناك إرادة في طمس الحقيقة بدليل أن أدلّة الادانة مازالت متراكمة بوزارة الداخلية.
وأضاف الاستاذ القليل ل «الشروق» أن ارتباك القضاء العسكري لمعالجة هذه الملفات يتجلّى في الاحكام التي أصدرها والتي وصفها بالرمزية مقارنة بنوع الجرائم المرتكبة والنصوص القانونية للاحالة.
واعتبر أن الملف مازال موضوع مزايدات سياسية فارغة بل أصبح ملفا للتوظيف ليس إلا. في المقابل العائلات كلّها أمل في معرفة الحقيقة ومحاسبة كل من أجرم في حق أبنائهم.
أي حل لفكّ اللغز؟
قال الأستاذ القليل ان أهم حلّ لدفع عجلة المحاسبة بأكثر سرعة ووضوح هو المجلس الوطني التأسيسي الذي بيده ارساء المنظومة القانونية الملائمة لهذا النوع من القضايا وذلك باجراء الاصلاحات التشريعية اللازمة للتعاطي مع ملفات الشهداء والجرحى وللتعاطي كذلك مع خصوصية ملف الجرحى بشكل لا يؤثر على قضاياهم المنشورة أمام القضاء.
جدّد الاستاذ القليل اتهاماته للقضاء العسكري وقال إنّه ساهم في طمس الادلة وفي البطء الحاصل في فصل القضايا وكذلك في تأخّر صدور المرسوم عدد 69 لسنة 2011 وقال إن الاجابة عن سؤال «من قتل الشهداء؟» مرتبطة بجدية التحقيق وبتدعيم صلاحيات حاكم التحقيق للوصول الى كافة أدلّة الادانة والبراءة والى تعزيز دور المجالس القضائية العسكرية واستقلاليتها وتجنيبها كافة اشكال الضغط.
الحقيقة ثم المحاسبة
مطالب أجمع عليه كل من كان حاضرا من عائلات الشهداء والجرحى الذين ردّدوا مطوّلا شعارات بحق الشهيد «أوفياء أوفياء لدماء الشهداء» «يا شهيد يا شهيد على دربك لن نحيد» «يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح» وتمسّك الأهالي بحقّهم في رد الاعتبار والاعتراف بهم ومحاسبة كل من ارتكب أي تجاوز في حقّهم. بعيدا عن كل توظيف سياسي.