"سلوكه مستفز": الافريقي يطالب بتغيير هذا الحكم في مباراته ضد الصفاقسي    سوسة: ايقاف مروج مخدرات وحجز 500 قرصا مخدرا    حالة الطقس هذه الليلة    أسعار المعادن في العالم: الذهب والفضة الملاذات الآمنة والنحاس مقياس للصحة الاقتصادية    عاجل/ قضية "اللوبيينغ" المرفوعة ضد النهضة: آخر المستجدات..    مجلس وزاري مضيق: رئيس الحكومة يؤكد على مزيد تشجيع الإستثمار في كل المجالات    بتهمة التمييز... أربع صحافيات يقاضين "بي بي سي"    فاو: ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء... اللحوم والزيوت النباتية والحبوب    تونس تحي اليوم الوطني للدبلوماسية    توطين مهاجرين غير نظاميين من افريقيا جنوب الصحراء في باجة: المكلف بتسيير الولاية يوضّح    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    ألكاراز ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة بسبب الإصابة    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    لجان البرلمان مستعدة للإصغاء الى منظمة "كوناكت" والاستنارة بآرائها    عاجل/ أعمارهم بين ال 16 و 22 سنة: القبض على 4 شبان متورطين في جريمة قتل    العثور على جثة آدمية مُلقاة بهذه الطريق الوطنية    ما قصة هروب افارقة من حافلة متجهة إلى ولايتي جندوبة والكاف ؟    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    كرة اليد: بن صالح لن يكون مع المنتخب والبوغانمي لن يعود    مراسلون بلا حدود: تونس في المرتبة 118 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2024    الرابطة الأولى: النادي البنزرتي يستضيف الأولمبي الباجي في حوار فض الشراكة في الصدارة    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    188 قتيلا في فيضانات جراء الأمطار بكينيا..#خبر_عاجل    قرعة كأس تونس 2024.    الحمامات: اختتام فعاليّات الصالون المتوسّطي للتغذية الحيوانيّة وتربية الماشية    صندوق النقد الدولي يدعو سلطات هذه البلاد الى تسريع الاصلاحات المالية    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    جندوبة: 6 سنوات سجنا وغرامة مالية لممثّل قانوني لجمعية تنموية    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه.    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصر العدالة في 45 دقيقة
نشر في الشروق يوم 23 - 01 - 2013

الساعة الخامسة والربع من مساء الاثنين، لم يبق أمام قصر العدالة بباب بنات الا بعض الاشخاص ينتظرون صدور أحكام لأقاربهم وقلة من أعوان الأمن وشاحنة عسكرية وسط سياج من الأسلاك الشائكة.

كان الباب الرئيسي من جهة شارع باب بنات مغلقا فيما كان الباب الداخلي شبه مغلق، سلكت الطريق بين المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف فوجدت الباب الأزرق من جهة شارع 9 أفريل مفتوحا الى النصف دفعته بهدوء فانفتح بسهولة محدثا صوت الاحتكاك بين حديد الأقفال التي لم تتم صيانتها منذ القرن الماضي.

استقبلني على الجهة اليسرى المدرج المؤدي الى الطابقين الفوقيين وكان تحت ذلك المدرج كرسي عادة ما يجلس عليه عون أمن.
كان من الجلد أو على الأقل يبدو كذلك وقد بدا عليه ثقب، يشير الى عمره وكان عادة عون أمن يستعمله لكن يبدو انه غادر المكان حديثا فجريدته التي انتشرت صفحاتها بفوضى وما تبقى غير قليل من الخبز مازالت تشهد على الرحلة.

بعد المدرج بأقل من متر، كان رواق مكاتب بعض القضاة قليل الإنارة الضوء فيه يقرب الى الرمادي لا حركة في الرواق الطويل جدّا، بعض الخطوات كافية لتسمع رجع صداها على الجدران.

تجوّلت بين أطرافه لا حياة لمن تنادي، كانت رائحة العشية ممزوجة برائحة الرطوبة المنبعثة من المراحيض التحتية المحاذية لسراديب الايقاف.

كنت أمشي وسط المكاتب وبين الأروقة في مبنى قصر العدالة بتونس بمفردي، لم أجد من أتوجه اليه بالسؤال في أحد الممرات المتشعبة بدأت أشعر بالخوف والرهبة.
لعلي أخطأت المكان ربما أنا في مبنى مهجور هل حكاية الأرواح الشريرة حقيقية ماذا لو اعترضتني إحداها..

تأكدت أنني في مبنى قصر العدالة، رمز الدولة والنظام عندما وجدت نفسي أمام مكتب أحد القضاة الذين أعرفهم، فهو رجل فاضل على خلق نزيه ويحب مهنته. أسرعت نحو باب مكتبه فطرقته لكنه لم يردّ.. طرقت ثانية وثالثة، فتراجعت الى الخلف وقلت لعله غادر المحكمة لابدّ ان أغادر.

لم أتجاوز الخمسة أمتار فإذا بي أستمتع الى صوت احتكاك أقفال الباب فالتفت فإذا بالسيد الرئيس يفتحه بلطف وحذر ليتطلّع الى الخارج ويستجلي الأمر. عندما رآني ناداني وأذن لي بالدخول.

وجدته منهكا وسط عدد لا متناه من الملفات الحمراء والخضراء والملوّنة ومنها ما هو مربوط بحبل، كان مكتبه ضيقا ولكن الاضاءة فيه جيدة اذ استطعت ان أميّز بين الجدران والطاولة فخارج المكتب كان المكان شبه مظلم فالإنارة ضعيفة جدّا.

سيدي الرئيس، لماذا تقفل باب مكتبك من الداخل؟

سألته، فقال يا أخي، من يدري لعل أحدهم يقتحم المكان حقيقة لسنا في أمان والمكان غير آمن. فالقضاة مهددون ولا يمكنهم اتخاذ قرار في بعض الأحيان في مثل هذه الظروف لذلك يضطرّون أحيانا الى تأخير اتخاذ اي قرار حتى يكون الإطار ملائما وآمنا، فالصبح أكثر أمان من المساء.

تحدثنا عن العديد من المواضيع، وكان منزعجا جدّا من ظروف العمل وعدد الملفات الكبير المطالب بالحسم فيها واستقلالية مهنته..
قال لي، انه سوف ينهي النظر في بعض الوثائق وانه سوف يغادر المكان قبل السادسة وحدثني عن الاعتداءات على بعض القضاة خاصة بعد الثورة، وختم بالقول إن المحاكم لم تعد في أمان وأصبحت مهددة.

استأذنت منه بالخروج، وكان بصدد جمع أشيائه وأوراقه.
سألته أثناء مغادرة مكتبه هل أغلق الباب فأجابني بضحكة غير مفهومة.
نزلت الى الطابق السفلي، وأردت الاتصال بأحد الاصدقاء فلم يكن ذلك متاحا لأن «الريزو» (شبكة الاتصال) لا يعترف بالمحكمة. عاودت الامر أكثر من مرّة، لكن دون فائدة.

رجعت نحو الرواق الطويل، كان وقع الصمت الرهيب ثقيلا بدأت الإنارة الرمادية تتجه نحو الظلام لا أحد يمكنه المغامرة وسط تلك البناية الكبيرة المهجورة.
خرجت من باب شارع 9 أفريل، فاستقبلني الفضاء الخارجي بالضوضاء واكتظاظ السيارات وأصوات منبهاتها التي لا تنتهي كنت مطمئنا فالأرواح الشريرة لا تسكن الشوارع المزدحمة، لعلها بقيت في البناية التي تركتها ورائي.

اتجهت نحو النهج الرابط بين قصر العدالة ووزارة التربية، وعدت أمام الباب الرئيسي من جهة باب بنات، كان عدد من أعوان الأمن يقفون بزيهم الشتوي وسط البهو الخارجي فيما لا تزال الشاحنة العسكرية مرابطة في نفس المكان.
كانت الساعة تشير الى السادسة مساء، البلدية لم تشعل أضواءها بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.