ما من شك في أن حكومة السيد حمادي الجبالي في مأزق.. والسبب في هذا المأزق، هو طريقة توليف هذه الحكومة. إذ بعد صدور نتائج الانتخابات للمجلس الوطني التأسيسي حدث أن أبرمت ثلاثة أحزاب هي التي تنعت ب «الترويكا» اليوم اتفاقا أمضت عليه قياداتها في ندوة صحفية شهيرة بنزل «ماجستيك» بالعاصمة..
الاتفاق الذي كشفت نصوصه في ما بعد، اتخذ بعدا إلزاميا للثلاثي الحاكم (النهضة والمؤتمر والتكتل)، يعرف السيد حمادي الجبالي جيّدا أن بنوده ترتكز على محاصصة حزبية في توزيع الحقائب الوزارية..
اليوم وبعد مظاهر الفشل التي لحقت بعمل الحكومة ولا نقول الوزارات فإننا نؤكد بأن الخلل في الصورة وليس في المرآة.
هذه حكومة تلتقي فيها ثلاثة عناصر، من أسوإ ما يمكن أن يلحق بحكومة ما:
أولا هي حكومة تعطى فيها الأولوية للانتماء الحزبي (أحد أحزاب الترويكا) على حساب الكفاءة والجدارة. ولقد شهدنا وزراء بلا برامج وآخرون يواصلون ما بدأه سابقوهم في الحكومات الفارطة، ما عدا النزر القليل منهم، ممن بقي يجدّف ضد التيار.
ثانيا ومنذ الجلسة الأولى للمجلس الوطني التأسيسي، أعطيت الأهمية القصوى الى الحقائب الوزارية، على حساب المجلس الذي أنيطت به أخطر مهمة وهي كتابة الدستور.
إذ باستعراضنا لبعض الأسماء في الوزارة، نجد أن المجلس حرم من عدد من تلك الأسماء دون أن تكون الوزارة قد استفادت منهم.. ثالثا بالغت الحكومة كما الأحزاب الثلاثة الحاكمة، في التعامل مع الوزارة والشأن العام، من خلال منهج الترضيات، على حساب احتياجات المرحلة واستحقاقات الثورة.. يضاف الى هذه العناصر الثلاثة التي نجزم أنها أسهمت بقوة في أزمة الحكومة وفشلها، غياب البرنامج الملائم للمرحلة الانتقالية.
فكنت ترى المشادات والعراقيل المقصودة، من أجل لاشيء وبلا سند واضح أو مقنع... فكان أن ضاع الوقت وأصبحت كتابة الدستور أمرا ثانويا وتوسيع دائرة الحكم أو تقليصه أولوية، فتراكمت الأخطاء... وتغافل الحاكم عن مطالب المواطنين، وإذا بالحكومة تفتقد الى أدنى سبل تعدّل بها بوصلتها فتنهيها عن إغفال طبيعة المرحلة... إن مأزق الحكومة، اي حكومة في مثل هذا التوقيت وبالمواصفات التي ذكرنا عن حكومتنا، هو مأزق للبلاد بأسرها.
على أن أفضل سبيل يمكن للسيد حمادي أن يتوخاه اليوم، هو مصارحة الشعب، فشعبنا يأبى هذه المرة أن يكون حطب الثورة... ووقود أي حكم... وإذا كان هناك من حل يمكن أن يرضي الجميع ويصالح الحاكم مع المواطن، هو اعتماد الكفاءة وقلة العدد (الوزراء) والمحاسبة، فهذا الثلاثي بإمكانه أن يعافي المريض.. أي حكم مريض..