انخفضت حدة التوتر مؤخرا بين الخصمين في تمثيلية السلطة القضائية، جمعية القضاة ونقابتهم، بعدما كانت قد شهدت جدلا لم يرغب فيه الجميع واستهجنته الأغلبية، هدوء العاصفة، صاحبته لقاءات مع عميد المحامين، لعله ينجح، في رأب الصدع بين الخصمين. اللقاءات التي أجراها العميد شوقي الطبيب مع وفد من جمعية القضاة ترأسته السيدة كلثوم كنو كان على خلفية النزاعات التي عرفتها المحكمة مؤخرا بين المحامين وبعض القضاة، مما جعل جمعية المحامين الشبان تنظم وقفة احتجاجية، وذلك بعد الخلاف الذي نشب بين المحامي شرف الدين القليل ورئيس احدى الدوائر الجنائية، وتم الاتفاق بين العميد وجمعية القضاة على ان يتم حل كل الخلافات ضمن الاطر التمثيلية وان يتم الدفع نحو استقرار المرفق العدلي ووحدة مكوناته، نفس الشأن مع السيدة روضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة والوفد الذي رافقها، وتم الاتفاق أيضا على لقاءات دورية والعمل على لملمة كل المشاكل التي قد تطرأ بين المحامين والقضاة، وهي مشاكل قديمة، تسببت في بعض الوضعيات تاريخيا في مآس، اذ كان من أسباب الانقلاب على جمعية القضاة هو مساندتها للمحامين ورفضها الاعتداء عليهم اثر خلاف بين المحامين وقاضي التحقيق أثناء قضية الأستاذ محمد عبو، نفس الشأن في قضية الأستاذ فوزي بن مراد، الذي تم ايقافه وسجنه سنة 2005 اثر خلاف مع قاض بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية، وهو ما جعل المحامين يتمسكون بحصانتهم، ويعتبر المحامي جمال الدين بيده أول محام يسجنه نظام بن علي بسبب مرافعة له أمام المحكمة.
اللقاءات التي أجراها العميد شوقي الطبيب مع كنو والعبيدي، كانت بسبب المشاكل مع المحامين، ولكنها دفعت أيضا من أجل رأب الصدع بين الهيكلين اللذين يمثلان القضاة، وكان جليا بالنسبة الى الطرفين بأن الصراع لم يتسبب الا في تشتيت الجهود والاضرار بالسلطة القضائية وبصورة القضاة الذي بلغ الأمر حد الاعتداء عليهم، وبدأ ضرب هيبة الدولة يتسرب عبر ضرب القضاة، والتعمد من قبل بعض المسؤولين بتفادي الحديث عن السلطة القضائية وتحبيذ كلمة المؤسسة القضائية التي تستبطن اعتبار القاضي مجرد موظف.
الصراع بين الجمعية والنقابة، خاصة تبادل التهم والشتائم عبر بعض وسائل الاعلام التي تعمّدت سكب الزيت على النار بحثا عن الفرجة و«الشاو» أساء كثيرا لصورة القاضي، المهتزة أصلا، وجعل بعض القضاة يصابون باليأس من الهيكلين، ويُدفعون دفعا الى البحث عن الحلول الفردية، وهي أساسا التقرب من الادارة، وتحقيق طلباتها. اللقاء بين الجمعية والنقابة، من أجل توحيد الجهود بينهما ولم لا ايجاد مخرج هيكلي، يحل المفارقة القانونية بين العمل الجمعياتي والعمل النقابي، الاتحاد من أجل استقلالية السلطة القضائية واستقلالية العمل القضائي.
القضاة اليوم لم يبق أمامهم غير الاتحاد نظرا لوحدة المصير رغم اختلاف المسيرة، فالمجلس التأسيسي ليس من اهتماماته الهيكل الذي سينظم هذه المهنة، وليس بالامكان، على الأقل على المدى المنظور أن يتم حل هذا المشكل الذي أصبح رهينة لدى السياسيين.
يعتبر أبناء مهنة القضاء الصادقين أن الالتقاء أصبح موضوعيا وحتميا، موضوعيا لأن المعطيات والعوامل والمخاطر التي تهدد انجاز سلطة قضائية ناجزة فرضت نفسها فرضا، وحتميا لأن المرحلة بعناصرها المكثفة والمتداخلة تقتضي الالتقاء والاتحاد، فهل ينجح الطبيب في علاج الشرخ بين الجمعية والنقابة، خاصة وأنه من قيادات الهيكلين من نهلوا من نفس المنبع الثوري.