يتوقع الكثير من المختصين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي أن يؤدي الهجوم الفرنسي على مقاتليها في شمال مالي إلى انتشارهم في دول المغرب العربي لتوجيه ضربات انتحارية إلى مصالح الدول المتحالفة ضدهم. كان للمعلومات التي نشرتها صحيفة الشروق الجزائرية حول اعترافات التونسي المدعو «دربالي العروسي» مفعول القنبلة رغم أنها تؤكد شكوكا يعرفها كل الخبراء: «مقاتلون تونسيون يتدربون منذ أشهر في شمال مالي»، أما أخطر ما جاء في اعترافات هذا الشاب المعروف بكنية أبي طلحة فهو «تحضير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لتنفيذ اعتداءات إرهابية في تونس على غرار تلك التي تم تنفيذها في تيڤنتورين».
لم نتمكن بعد من معرفة ما يكفي حول هوية «أبي طلحة التونسي» الذي كان له وفق ما نشرته صحيفة الشروق الجزائرية دور أساسي وهام في عملية الهجوم على مركب إنتاج الغاز «إين إميناس»، باستثناء ما راج من أن اسمه الحقيقي «دربالي العروسي»، وعمره 33 عاما، انتمى إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي عام 2009، مع اختلاف حول البلدة التي جاء منها في تونس وهي إما سليانة أو المهدية. وعموما لا يمكن الاطمئنان إلى المعلومات التي تنشر حول هويته بالنظر إلى أن الجهاديين ينذرون أنفسهم للقتال ويتخذون أسماء حركية منذ أن يحملوا السلاح ويتلفون كل ما يتعلق بهوياتهم الأصلية وقطع الصلة مع أهاليهم إلا نادرا.
أما الجديد والخطير في هذه المعلومات، فهي وجود عشرات التونسيين في شمال مالي بصدد التدرب على القتال ضمن تنظيم القاعدة وهم يعدون لضربات ضد تونس.
وبالنسبة للعنصر الأول، يمكن العثور في التقارير الأمنية التي ينشرها متخصصون في الإرهاب منذ أشهر معلومات متفرقة عن تصاعد عدد التونسيين في هذا التنظيم أو في المجموعات العنقودية التي تتبنى فكر القاعدة، ولم يعد سرا أن عشرات أو ربما مئات التونسيين يقاتلون منذ أشهر في سوريا، وأن مئات آخرين تلقوا تدريبات في ليبيا قبل أن يسقط نظام القذافي، ثم تورط بعضهم في نقل الأسلحة التي نهبت من مخازن الجيش الليبي إلى مقاتلي القاعدة في شمال مالي حيث كان التنظيم يحلم بإقامة إمارة في الصحراء تقطع كل شمال مالي وجزءا من النيجر وتستعمله للتوسع في كل الجهات. وحسب تقديرات خبراء فرنسيين تم نشرها فإن عدد التونسيين في شمال مالي يتراوح بين 250 و300 عنصر لكن لا أحد يعلم شيئا عن مراتبهم في التنظيم وخصوصا خططهم المستقبلية التي بدأ المدعو دربالي العروسي، «أبو طلحة التونسي» بالحديث عنها عند استجوابه لدى المحققين الجزائريين، وهي التدرب على ضرب تونس.
إعلان حرب
في الأثناء، تتواتر الأخبار التي تتعلق بتورط تونسيين في الانتماء للمجموعات الجهادية المنحدرة من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وحتى في قيادة بعض المجموعات بما يكشف عن تنامي دور التونسيين في هذا التنظيم واحتمال نقل القتال إلى تونس. وبعد التقدم السريع والساحق للقوات الفرنسية نحو المدن التي كان يسيطر عليها مقاتلو التنظيمات الجهادية في شمال مالي، ظهرت معلومات مؤكدة عن تحرك هؤلاء المقاتلين نحو جبال «كيدال» في الشمال مع الحدود الجزائرية، وهي منطقة شديدة الوعورة تتخذها التنظيمات الجهادية منذ أعوام مقرا لها.
ويقول خبراء فرنسيون إن المواجهة بين الفرنسيين والجيش المالي من جهة والتنظيمات الجهادية من جهة أخرى لم تحسم، بل تأجلت فقط، وسيعود مقاتلو القاعدة إلى أسلوبهم القديم أي حروب العصابات الخاطفة وخصوصا العمليات الانتحارية ضد مصالح فرنسا وحلفائها في المغرب العربي. يقول سيلمان ماغان، وهو باحث جامعي من مالي متخصص في الجماعات الجهادية : «سوف يعيدون التموقع في ليبيا والجزائر وحتى تونس، لأنه تنظيم عالمي قبل كل شيء، سوف يحدث نزيف في هذه الدول الحدودية». ويضيف الخبير الجزائري قادر عبد الرحمان من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس: «لا يوجد بلد بمعزل عن المشكل، جنسيات المقاتلين تقول كل شيء»، في تأكيد لإعادة انتشار مقاتلي القاعدة في المغرب الإسلامي في المنطقة.
وبالعودة إلى اعترافات أبي طلحة التونسي، نجد معلومة تهم أمننا الوطني المباشر، إذ قال إن عشرات التونسيين المناوئين للنظام التونسي القائم، يتدربون في الشمال المالي من أجل ضرب تونس، بالتنسيق مع الخلايا النائمة التي يجري العمل على تجنيدها للتنسيق معها في تنفيذ هذه العمليات وتحديد مواقع تكون هي الهدف، وهو المخطط الذي يجري العمل عليه من قبل قيادة التنظيم الإرهابي لتنفيذه في أقرب الآجال. إن هذه الاعترافات تكشف عن إعلان حرب مدروس ضد بلادنا، وقد حملت لنا الأيام الماضية إشارات متعددة حول جدية هذا الخطر.