لم تخل سلسلة الاعتداءات على مقامات الصالحين في تونس من استهجان وانتقاد ل«التعصب الديني» والتطرف الذي قاد إسلاميين للاعتداء على معتقدات ومقدسات إخوانهم في الدين..فما حال ومصير المختلفين عن المتطرفين والمتعصبين دينيا.. وهل سيأتي عليهم وعلى مقدساتهم الدور.. «الشروق» فتحت تحقيقا حول الأقليات الدينية في تونس.. واقعها ومدى استهدافها و«أمنها»..
بداية الحديث كانت مع السيدة يمينة ثابت رئيسة جمعية حماية الأقليات في تونس والتي أكدت أن هناك تخوفا من سريان موجة العنف والتعصب لتتحول من الاعتداء على الأولياء الصالحين وتصل إلى المقدسات والمقابر والمعابد للأقليات المسيحية واليهودية والأقليات عموما في تونس.
وأشارت محدثتنا إلى أن العنف لا يحسب بعدد الضحايا أو بعدد الاعتداءات، وأكدت بأن الجمعية تقوم منذ أكثر من سنة من التحذير من العنف بشكل عام مشيرة إلى وجود أشكال من العنف اللفظي والتهديدات وحرق المقابر . واعتبرت أن الاعتداء على مقامات الأولياء الصالحين يشير إلى أنه لا وجود لحدود للعنف وأنهم غير مستثنين من التهديد.
وقالت السيدة يمينة ثابت «إن المذابح الكبرى في العالم قد انطلقت بالتهديدات والعنف». في المقابل أكدت محدثتنا أنها متفائلة لأن التونسي قادر على تحدي العنف كظاهرة.. وعدم السماح له بالتحول إلى كارثة.
إهمال واعتداءات..
كنائس مهملة وأسقف متساقطة.. ومقابر غير معتنى بها .. ومعابد يتم الاعتداء عليها ومقر الجمعية التونسية لحماية الأقليات يتم الاعتداء عليه، هذا هو الوضع الذي تمت مشاهدته في تونس حسب شهادة السيدة يمينة ثابت رئيسة جمعية حماية الأقليات بتونس.
وتحدثت السيدة يمينة على حادثة الاعتداء التي عاشتها الجمعية على إثر ندوة الجمعية حول ذكرى اليهود التونسيين الذين قتلتهم أيادي النازية والذين تعرضوا للمحرقة. واستغربت من الاحتفال بهذه الذكرى في فرنسا واستنكار هذا الاحتفال من بعض الاطراف في تونس مشيرة إلى أن التونسيين المسلمين هم أكثر من وقف مع التونسيين اليهود وحاربوا معهم ضد النازية وأكثر من الأوروبيين أنفسهم.
وأكدت أن الجمعية قد تعرضت للاعتداء ووصلت أعضاءها التهديدات.. كما تم كسر مقر الجمعية. واعتبرت أنه لا فرق بين هذه التهديدات والكسر وحرق المقدسات الدينية..
حادثة أخرى أشارت إليها السيدة يمينة بن ثابت وهي تعرض الكنيسة «الأرتودكسية» في أفريل إلى حادثة اعتداء على مقرها وكسر الصليب والاعتداء على المقبرة. واعتبرت أنها ليست الحادثة الأولى وأن الميز العنصري والكراهية الموجهة نحو الأقليات الدينية موجودة.
وحول إن كانت الثورة وموجة حرية التعبير هي التي صعدت فتيل الكراهية والاعتداءات أشارت السيدة يمينة ثابت إلى أن هذه الأفكار قد تكون كانت موجودة لكن مواجهتها والشعور بها أصبحت أكثر بعد الثورة . وتحدثت عن أهمية النضج والوعي والحديث عن ثقافة التعايش لا التسامح.. فالتسامح يعني أن تشعر الآخر أنه أقل قيمة وأنك سمحت له بالوجود معك حسب تعبيرها لكن التعايش يعني الوجود ندا للند.
واستغربت من عدم تعايش الأجيال الجديدة في حين أن الأجداد كانوا يعيشون في نفس «الحومة» مع اليهود والمسيحيين. وأشارت إلى أن البعض استعمل القضية الفلسطينية لتبرير البغض والضغينة وأنه من المهم التفريق بين الصهيونية واليهودية. فيما يمارس آخرون كراهيتهم من خلال التطرف الديني.
وأشارت في المقابل إلى احترام الجمعية للمتدينين ولأفكار الآخرين وعقائدهم وأن الجمعية قامت بالتنديد بالممارسات التي تعرض لها سلفيون والتي قاموا على إثرها بإضراب جوع.
وأضافت بأن الأديان بصفة عامة تنبذ الكراهية والعنف وأن للكراهية جذور أخرى إنسانية. لكن وفي المقابل تنبذ جمعية الأقليات الكراهية الموجهة لكل من يختلف في اللون والشكل والدين كما تنبذ العنف. من جهة أخرى تحدثت السيدة يمينة ثابت عن غياب التأمينات الكافية لمقدسات الأقليات الدينية مثل الكنيسة الأرتودكسية ووجدت كنيسة مهملة في المهدية وأخرى في صفاقس وغيرها في سوسة مع الإشارة إلى عدم وجود إحصائيات حول البيع والمقابر والكنائس وغيرها من معابد المسيحيين واليهود في تونس. كما اشارت إلى عدم إشارة كتب التاريخ إلى هذا التعايش.
العنف الاجتماعي حول إمكانية تحول العنف الذي تمت ممارسته على أضرحة الأولياء الصالحين على مقدسات الاقليات الدينية تحدث الدكتور سالم لبيض الدكتور في علم الاجتماع السياسي قائلا إن الاعتداءات على مقامات الأولياء الصالحين مسألة ترجع إلى مرجعية دينية وإلى تأويل في وسائل وكتابات النصوص، ويعتبر محمد ابن عبد الوهاب في كتاباته أن الأولياء والقبور والزيارات وكل ما يمت إلى الإسلام الطرقي والصوفي نوع من أنواع الشرك بالله. وان الرافضين للمقامات اليوم هم من أحفاده الإيديولوجيين يشنون حملاتهم بالحرق والهدم على أضرحة الأولياء وقبور الصالحين اعتقادا منهم أنهم يطهرون الإسلام من مظاهر الشرك وهذه المسألة هي مسألة جدالية وخلافية في الثقافة العربية الإسلامية وكل ما نشاهده هو تأويل من قبل المذهب الوهابي لبعض الآيات القرآنية والنصوص والأحاديث النبوية الشرعية لكنها لا تمثل الاسلام إلا من وجهة نظرهم.. ومخالفيهم في الرأي يذهبون مذهبا آخر من ان ما يقومون به لا علاقة له بالإسلام من ناحية لأن الشفاعة والوسطية موجودة .. ومن ناحية أخرى لأن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبور خلفائه وزوجاته كانوا موجودين دائما في مسجده وهذا لا يكفر ولا يصنف في خانة الشرك.. فالمسلمون من أصقاع الدنيا يصلون في المسجد النبوي منذ قرون.
ولا يعتقد الدكتور سالم الابيض أن كل هؤلاء المسلمين قد سقطوا حسب المذهب الوهابي في الشرك بالله . من جهة ثانية اعتبر دكتور علم الاجتماع أن الإسلام لم يضطهد الأقليات والمجموعات الدينية والعرقية والدليل على ذلك أنه أزهى أيام اليهود وكانوا مع المسلمين خلال الدولة العربية الإسلامية بدمشق أو بالأندلس مع الحكم الأموي وببغداد مع الحكم العباسي أو حتى في ظل الحكم العثماني وكذلك في ظل الدول الوطنية أو غير الوطنية التي نشأت على أنقاض الامبراطوريات الإسلامية الكبرى.. وأضاف أن التصفية العرقية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية لا تضاهي ما تعرضوا له طيلة قرون وأنه يمكن اعتبار أزهى فترات اليهود خلال وجودهم في المجتمع العربي والمجتمعات الإسلامية وهو ما لا يقارن مع الحرب العالمية الثانية.
مخالفة الإسلام
اعتبر الدكتور سالم الأبيض أن الواقع في تونس الذي يتواجد فيه وهابيون من التيار السلفي يجانب حقيقة الإسلام من خلال حرق وإتلاف وتخريب البيع والصوامع والمقابر أو أي أماكن عبادة لأصحاب الديانات الأخرى من يهود ونصارى وغيرهم .. فالإسلام لم يقر بأي شكل من أشكال القتل أو الإقصاء على خلفية العقيدة حيث يقر الاسلام «من شاء منكم فليؤمن ومن شاء منكم فليكفر» كما تنادي آياته بأنه «لكم دينكم ولي ديني».
وأشار دكتور علم الاجتماع إلى أن الصحابة لم يهدموا المقابر ولا أي رمز ديني بما في ذلك المواقع التي وجدوا فيها تماثيل ولم يقوموا بإزالتها لأنهم كانوا يعرفون أن سكان هذه المناطق لا يعبدونها ولم تكن لهم معها مشكل كما وقع في مكة.. وعلى هذه الخلفية كانت المجموعات العرقية في الاسلام محمية في المجتمعات العربية الإسلامية مثل المجموعات البربرية. وأكد أن الإسلام دين توحيد لا تفرقة. وأن الإسلام خاض معاركه الكبرى بعيدا عن هذه القضايا الصغرى.
واعتبر الدكتور سالم الأبيض أن هناك صنفين من الإعلام صنف يصنعه الإعلام بوسائله وصنف ثاني شبكات المجتمع المحلي بما في ذلك الخطب والأيمة. ومع فقدان الإعلام للثقة يجد الصنف الثاني مكانته رغم أن التونسي مسالم ووسطي ولا يميل للعنف وكل المناطق التي فيها يهود فيها تعايش بين التونسيين.
ثورة وعنف
اعتبر الدكتور سالم الأبيض أن ظهور سلفيين يقدمون على أعمال عنف لا يمثل موجة دينية.. وأن عامة الناس لا يعادون المختلفين دينيا بل إن هناك بعض التيارات والمجتمعات التي استغلت وقائع الثورة والحريات لتنشر أفكارها دون رقيب ولا خشية من أحد فلا وجود الآن لرقابة ذاتية وحسن الفهم للمسألة الدينية تتطلب وعيا ذاتيا.. وأضاف بأن النظام السابق لم يكن يحمي الأقليات الدينية بل كان يحمي بطريقته المجموعات اليهودية خوفا من الاعلام الدولي ومن أجل قضية الإعانات الدولية. وأشار إلى أن الخوف ووضع الفوبيا مستمر ولا وجود لرقابة صارمةوالدليل أحداث الغريبة في جربة 2002..
لا إكراه في الدين
تحدث السيد أحمد الغربي باحث في الشؤون الدينية عن الإسلام. الاسلام كدين يحترم الأديان الأخرى ولطالما احترم غير المسلمين.. واحترم العقيدة ولا يتدخل فيها. ولم يفرض الإسلام نفسه على الناس فلا إكراه في الدين. وأشار إلى وجود النصارى واليهود في العهود السابقة متعايشين مع المسلمين فالإسلام يحترم أصحاب الديانات الأخرى.
وأشار إلى عدة أمثلة منها قصة سيدنا عمر عندما فتح بيت المقدس وتمت دعوته للصلاة داخل الكنيسة فرفض رغم أنها مفتوحة للمسلمين وكان رفضه ليعطي صورة للمسلمين الذين يحترمون الديانات الأخرى وهو مثال ساطع يدل على احترام أصحاب الديانات من يهود ونصارى وغيرهم..
وتعود موجة الكره للديانات الأخرى إلى عدة أسباب حسب السيد أحمد الغربي أهمها الجهل بالإسلام وهو ما ينجم عنه الغلو والتطرف الديني ويؤدي إلى الاعتداء على الآخرين بنية الدفاع على الإسلام .
وقال إن هذا الغلو ليس من صفات الإسلام فالدين الإسلامي يحترم العقائد . وأسباب الظاهرة البارزة في السنوات الأخيرة هي الغلو في الدين وعدم الفهم الصحيح له. وهو ما يتسبب في الكراهية والتشدد وما ينجر عنه من الاعتداءات على مقامات الأولياء ومقدسات المسلمين وغير المسلمين. وقال إنهم ما كانوا ليتجرؤوا على فعل ما فعلوه لو كانت لهم ذرة من الإسلام الصحيح. وأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال إن حرمة الحي كحرمة الميت..