تشتهر سويسرا بصناعة أثمن الساعات وأجود أنواع الشوكولاته وبالتسامح الذي تتعايش فيه ثلاث عرقيات المانية وفرنسية وايطالية بلغاتها الثلاث. وهي الدولة الوحيدة التي تمارس الديمقراطية المباشرة التي يصوت فيها الشعب في استفتاء عام علي أي تحول اجتماعي أو سياسة جديدة. وسيضاف إلي تفرد السويسريين في الغرب قاطبة رغبة فريق سياسي منهم منع بناء مأذن للمساجد في مدنهم مع علمهم بوجود آلاف المساجد المكتملة في الغرب, منها أكثر من2000 مسجد في امريكا و1500 في بريطانيا. ومشكلة المساجد المفتعلة في سويسرا هي جزء من ظاهرة الكراهية المرضية للأجانب التي يختص بها اليمين المتطرف في الغرب عموما, وجزء أيضا من مشاكل اندماج المسلمين الذي يستعجله الأوروبيون ولايريدون له النضوج الطبيعي وإعمال الهندسة الاجتماعية فيه, وألا يدور دورته الطبيعية. وهو الأمر الذي يدفع بالمسلمين إلي اتهام بعض القوي باستهدافهم بدون مبرر في نفس الوقت الذي يتم فيه التغاضي عن أقليات أخري أقدم منهم لاتتعرض لا لنفس المضايقات ولاللتشويه الإعلامي أوالتشكيك بولائها لوطنها الجديد. وفي اوروبا بشكل عام يدور جدل لم يتوقف حول ضرورة وجود هوية اوروبية للإسلام يهدف بعض دعاتها إلي عزل مسلمي اوروبا عن مسلمي العالم وعدم تبنيهم لقضاياهم والدفاع عنها. باختصار تدجينهم سياسيا. وقد طالب المان وهولنديون بإسلام هولندي وبإسلام الماني. وكان اليمين الهندوسي في مطلع تسعينيات القرن الماضي أكثر تطرفا في مطالبة مسلمي الهند بإسلام هندي من مفرداته التخلي عن الأسماء العربية وعدم أداء الأذان والصلاة بالعربية. وهناك وعي لدي الأقليات الإسلامية في الغرب بأن إثارة الكراهية ضدها يرتبط في الغالب بأهداف سياسية محلية ودولية. ويبين ذلك عند حدوث أعمال عنف من قبل عناصر مسلمة لها مفهومها القاصر. وهنا سرعان ماترفع أصابع الاتهام ضد الإسلام وليس ضدالفاعل وحده, كما هو الحال في جرائم مماثلة قامت بها عناصر تتبع ديانات أخري لم تطلها تهمتها العنف والإرهاب. وأحدث مثل هو قاتل السيدة مروة الشربيني في المانيا الذي لم يتحدث أحد عن هويته الدينية وأقدم مثل هوتيموثي مكفي الذي قتل العشرات من بني دينه في اوكلاهوما عام1995, وبين المثلين فانيسا جورج البريطانية التي تحاكم حاليا بتهمة استغلال الأطفال جنسيا, ولم تذكرأي وسيلة إعلامية بريطانية ديانتها مطلقا. وسياسيا لم يربط أيا كانت الجرائم النازية ومنها الهولوكوست, أوإرهاب منظمة بادر ماينهوف الألمانية والألوية الحمراء الإيطالية بالمسيحية. ويبدو أن البعض في الغرب لغير مصلحة وطنية, إذا أحسنا الظن, يريد وضع الإسلام في قفص الاتهام بصورة دائمة. وفي بريطانيا ساعد حزب التحريرعلي وجه الخصوص وأبوحمزة المصري إلي حد ما في إعطاء صورة مشوهة عن الإسلام وعن قدرته غير المحدودة علي التعايش مع الأديان الأخري في عقر دارها. هذه القدرة أنكرها عليه كبيرحاخامات يهود بريطانيا اللورد جوناثان ساكس في محاضرة له في خزان الفكر الثيولوجي( ثيوز) الذي طالب مسلمي بريطانيا بالتعود علي العيش كأقلية فيها, وأن يتعلموا كاليهود فصل الدين عن السلطة, ولم يستخدم اللورد كلمة السياسة وهي الأدق لإدراكه بأنه يناقض نفسه وأن لا أحد من مستمعيه سيصدقه. ولقد نسي اللورد الذي يتولي منصبا سياسيا وآخر دينيا أن يهود العالم وليس يهود بريطانيا وحدها لم يتعودوا أبدا فصل الدين عن السياسة بدليل انفراد يهود بريطانيا بمطالبة حكومتهم بالتصويت ضد تقرير جولدستون عن جرائم حرب غزة. في سويسرا سيستفتي الناس حول موافقتهم من عدمها علي إنشاء مآذن في المساجد. اليمين السويسري يغلف عداءه للأقلية المسلمة بمعارضته للمأذنة دون المسجد لأنه يعتقد أن المسلمين يرون فيها رمزا لقوتهم وهو لا يدرك أنه ينتهك حقا من حقوق الإنسان ويمارس تمييزا محرما دوليا ضد أقلية من مواطني بلده, وأنه كمسيحي لايقبل بناء كنيسة بدون برج تقرع فيه الأجراس للإيذان بالصلاة. يمين مدينة اكسفورد سبق قبل سنوات قليلة يمين سويسرا في الاعتراض علي مأذنة جامع المركز الإسلامي, ودار جدل حول هذا الأمر في وسائل الإعلام, ولكن هذااليمين الديني والسياسي هزم. في سويسرا البلد الجميل المحايد والمسالم, ضاق تيار اليمين فيها ب400 ألف مسلم يشكلون4% من السكان. هذا اليمين باعترافه ليس لديه مشكلة آنية مع مسلمي سويسرا الذين يحترمون قانون البلاد ويسهمون في رفاهيتها وهو فقط يعبر عن مخاوف مستقبلية. وليس من الصعب تبين أن غرضه الأساسي هو ممارسة التمييز ضد مسلمي بلاده لأنه مفعم بكراهية مرضية للمسلمين علي وجه التحديد, غير قاصرةعلي سويسرا وحدها لأنها نشطة في أكثر من بلد اوروبي من شمال اوروبا إلي جنوبها ولاتخلو أقوي دولة ديمقراطية منها وتوظف لأغراض سياسية محلية وخارجية متصلة بالصراع العربي- الإسرائيلي. * نقلا عن "الأهرام" المصرية