عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ فُلَانَةُ تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا قَالَ مَهْ عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. أخرجه البخاري/ حديث صحيح كثير من الناس يدخلون أنفسهم في المشقة والعنت في كثير من التكاليف الشرعية كالصلاة والصوم والحج بالرغم من النصوص الشرعية من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة التي تدعو إلى اليسر ورفع الحرج عن الناس ومنها هذا الحديث الشريف الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها حيث كانت ببيتها امرأة ذكرتها للنبي صلى الله عليه وسلم بأنها كثيرة الصلاة فأمرها الرسول الكريم قائلا: مهْ وهي كلمة مبنية على السكون تفيد الزجر وهذا الزجر يحتمل أن يكون لعائشة والمراد نهيها عن مدح المرأة بما ذكرت ويحتمل أن يكون المراد النهي عن ذلك الفعل كما ذكر ذلك بن حجر العسقلاني في (فتح الباري).
لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الناس عن إثقال أنفسهم بطاعات لا يطيقونها كالإكثار من الصلوات في جوف الليل وكثرة الصيام على مدار العام ممّا يدخلون أنفسهم في مشقة بدنية قد تلحق بهم الضرر في أجسادهم وعقولهم فيدبّ فيهم الملل وهو استثقال الشيء ونفور النفس منه بعد محبته والملل محال على الله سبحانه وتعالى كما ورد في هذا الحديث.
كما بيّن الرسول أن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى أدومها حتى ولو كانت قليلة. قال الإمام النووي معلقا على الحديث: (بدوام القليل تستمرّ الطاعة والذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله..), ذلك أن الدخول في المشقة قصدا قد يحبط العمل وينفي الثواب ويعطل الأجر وهذا ما ذهب إليه الإمام الجليل أبو إسحاق الشاطبي في كتابه الشهير (الموافقات) ج2 الذي خصصه للحديث عن مقاصد الشريعة حين قال: (كل قصد يخالف قصد الشارع باطل, فالقصد إلى المشقة باطل فهو إذن من قبيل ما ينهى عنه, وما ينهى عنه لا ثواب فيه بل فيه الإثم) ويعني بالقصد هنا النية التي يجب أن لا تكون مخالفة لقصد الدين ومعارضة له , فمن قصد بعمل يتقرب به إلى الله إدخال نفسه في مشقة وعنت لا يستطيع تحملهما أو حمل الناس على ذلك إنما هو مخالف لقصد الشرع وفعل ما نهي عنه فلا يترتب على ذلك حينئذ ثواب بل فيه إثم.