ما دار في مجلس الشورى أمس الاول، يؤشّر الى وجود عقليتين اثنتين صلب النهضة في إدارة الشأن العام: العقلية الحزبية والعقلية الادارية التي تعي معنى ممارسة الحكم. مثلما كان منتظرا، فقد دخل أعضاء مجلس الشورى لحزب حركة النهضة بعد ظهر أمس الأول في جلسة استثنائية، وفق بند وحيد عنوانه: التحوير الوزاري على خلفية توسيع دائرة الحكومةوكذا تحييد وزارتي العدل والخارجية عن المحاصصة الحزبية. وهما وزارتان كانتا من نصيب النهضة... الى جانب الداخلية كذلك. اجتماع مجلس الشورى لأمس الاول تواصل الى غاية ساعة متأخّرة من الليلة الفاصلة بين أول أمس وأمس. فقد تخلّلت الاجتماع تباينات في الرأي حد الغضب المعلن هنا وهناك.
والحقيقة، تسرّبت معلومة صلب أعضاء المجلس، أن السيد حمادي الجبالي الذي نحا منحى واضحا منذ مدّة، جعله يلبس «عباءة» السلطة وإدارة الشأن العام بما في ذلك توخّي الواقعية والانحناء للعاصفة والوعي أكثر بصعوبات الحكم، كان قد عبّر عن نيّته، إن وجد نفسه في مواجهة عاصفة المنتقدين لسياسته ونظرته للحكم وأسس الحكم، في أن يقدّم استقالته، وتدعيما لهذا الموقف، صرّح قبيل دخوله الاجتماع بقول هو بمثابة «الشرط» بأن رئيس الحكومة وحده من له صلاحيات تشكيل الحكومة... هذه المقولة، حسب ما علمته «الشروق» من مصادر من داخل مجلس الشورى ترجمها أنصار الجبالي داخل مجلس الشورى أمس الاول في ردود عاصفة وقوية للشق المقابل في حركة النهضة الذي بات يُعرف بشق الصقور.
فهذا الجناح، يرى أن النهضة ليس لها أن تتنازل لشروط الحليفين في «الترويكا» وأنها قادرة على أن تحكم بمفردها. من ذلك أننا علمنا من كواليس الاجتماع، أنه وبعد أن غادر السيد حمادي الجبالي جلسة «الشورى» دخل كل من السيد الحبيب اللوز والشق المعروف بالتشدّد من جهة وشق السيد حمادي الجبالي من جهة أخرى، في موجة عاصفة من الانتقاد والانتقاد المضاد، على أساس أن شق اللوز تحدّث عن حكومة نهضة وبمن يلتحق بها، منتقدين في الآن نفسه الجبالي وجماعته، بخصوص تحويلهم للتفاوض مع الشركاء الى إذعان ل «شروط» بعضهم، وفي هذا الاتجاه عبّر أحد الصقور عن غضبه مما أسماه سياسة رئيس الحكومة في التفاوض وما أوصلت به من أمر، «أن نرى أحد الأطراف السياسية التي تفاوضها جهات من الترويكا الحاكمة، من أجل توسيع الحكم، قد شهدناه يجتمع» مع الباجي قائد السبسي، في إشارة الى اجتماع أمس الأول بين نداء تونس والتحالف الديمقراطي...
السيد حمّادي الجبالي، الذي غادر جلسة «الشورى» غاضبا ودخلها متأخرا عن التوقيت المتّفق عليه، قال أمام أعضاء مجلس الشورى المجتمعين مساء أمس الأول بأحد نزل بطريق الضاحية الشمالية، ان النهضة بامكانها أن تحكم وحدها، ولكن عواقب هذه العملية وخيمة والثمن سيكون باهظا على النهضةوحدها... وأن النهضة لا يمكنها أن تتحمّل وحدها أعباء الحكم في فترة مضطربة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا... ففي ظل تردي الوضع الاقتصادي وتزايد المطالب الاجتماعية التي ستزداد أكثر كلما اقتربنا من الانتخابات فإن النهضة ستدخل ضعيفة الى هذه الانتخابات والمواعيد القادمة. وستفقد النهضة الكثير من الأصوات والأنصار لأن عبء الحكم عسير، والسلطة تهرّئ ماسكها، في ظل ظروف كالتي تعيشها تونس.
وعلمت «الشروق» أن كلاّ من علي العريض وعبد اللطيف المكّي وديلو كانوا من رأي رئيس الحكومة، اضافة الى كاتب الدولة للهجرة الجزيري، الذي وجد أمس الاول الى جانب الجبالي، وهو ما قد يكون سهّل على رئيس الحركة السيد راشد الغنوشي، مهمة الحسم في الأخير لصالح نظرة الجبالي، رغم أن جلسة حزبية سبقت انعقاد مجلس الشورى بساعات، وجمعت الغنوشي والجبالي، وبن سالم والعريض، حدث خلالها تصادم في الآراء بين كل من رئيس الحركة وأمينها العام.
البيان الذي صدر عن مجلس الشورى كان مقتضبا، وباتصالنا بعدد من الشخصيات من المجلس، أكّد جميع من اتصلنا بهم، على أن هناك التزاما من داخل المجلس وافق عليه جميع أعضاء الشورى، ويتمثل في أن تكون التصريحات عن أشغال «الشورى» حكرا على السيد فتحي العيادي رئيس مجلس الشورى.،
وقد كان نصّ بلاغ مجلس الشورى، على اختصاره الشديد (11 سطرا فقط) حاملا لجملة أساسية تقول: «يدعو (الشورى) الحركة وشركاء الائتلاف الحالي الى الاسراع في حسم موضوع التحوير الوزاري بما يكفل مزيدا من الفاعلية للعمل الحكومي في اطار الالتزام بتحقيق أهداف الثورة والاستجابة للتطلّعات الشعبية».