«من لم يمت بالسيف مات بغيره، تعدّدت الأسباب والموت واحد...». بهذا البيت المأثور، علّق الأستاذ أحمد المستيري على جريمة الاغتيال التي تعرّض لها الشهيد شكري بلعيد... جدّد المناضل أحمد المستيري، قوله الذي أصدع به قبل الانتخابات، وقبل أن يعود السيد راشد الغنوشي الى تونس، بخصوص حركة النهضة، قائلا: إذا كانوا من دعاة النمط التركي، في الحكم، فليس هناك داعي لإقصائهم من الحياة السياسية ولا من الحكم... فهو نمط مبني على التعايش بين العلمانيين والاسلاميين... أعاد على مسامعي هذه الكلمات، وقد قالها منذ عامين تقريبا على صفحات الشروق.
هو نفسه «سي أحمد» المستيري الذي لم يتغيّر... يقول (رأيه كاملا عندما يرى أن في الأمر ضرورة... ولكنه يقف عند نصف الكلام... عندما يهمّ الأمر ابداء للرأي في شأن داخلي لهذا الحزب أو ذاك... لا يزال متمسكا باستقلاليته... قبلة «للمشورة» وابداء الرأي من كل التيارات على اختلافها... استنكر عملية اغتيال المناضل شكري بلعيد، وطلب المولى أن يقي تونس منزلقات، هي في غنى عنها... لكن الرجل واع أن هناك من لا يريد لتونس أن تواصل مشوارها التقدّمي وأن تكون مثالا يُحتذى هنا وهناك... بكل المواصفات يعدّ اغتيال المناضل شكري بلعيد جريمة سياسية منظّمة، كيف يراها الأستاذ أحمد المستيري (المحامي) وكيف ينظر اليها السياسي الذي خبر الحكم في السلطة من خلال وزارة الداخلية...
ألا تعتقد أن الجريمة يمكن أن يستفيد منها طرف أو أطراف قد لا تبدو آليا في الصورة؟
بالنسبة لي كل الفرضيات مفتوحة، لا أريد أن أوجّه التهمة لأي طرف، طالما ليست لي المعطيات اللازمة... هناك أجانب في بلادنا فاعلون، إذ من بين الفاعلين هناك أطراف أجنبية. هذا اضافة الىوجود المال السياسي. في ما يخصّ الأطراف الاجنبية شخصيا أستبعد تماما وأنزّه الأخوة الجزائريين، لأن لهم مصالح استراتيجية، والتي تتناسب تماما مع مصالح تونس، وأعتقد أن الجزائر قد أخذت هذا الموقف نظرا الى أن هناك تناسبا بين استقرار تونس واستقرار الجزائر. ولكن الفرضيات ما تزال مفتوحة وهي متعددة...
ما لفت نظري في عملية اغتيال الفقيد المرحوم شكري بلعيد، بدون أن أكون اختصاصيا أو مطّلعا على كل المعطيات، فإن العملية تبدو قد أنجزها «مهنيون» يعني أن لهم معرفة بالوسائل المستخدمة، وكيفية استعمالها وكذا الحركات التي يقوم بها والذي يزيد في تعميق هذه الفكرة، هو سابقية الاضمار للقتل مع التخطيط المسبق. إذن لا يمكن للمرء أن يصدر حكما،إلا متى تمّت الأبحاث بصفة مهنية من قبل السلطات القضائية والأجهزة المختصّة... في القصص البوليسية هناك سؤال لافت ومهم يطرح دوما: من هو المستفيد من الجريمة؟ A qui profite le crime سؤال ويمكن أ يكون أكثر من طرف مستفيدا من المسألة.
إذن أنت تعتبر أن المستفيد يمكن ان يكون بعيدا عن الصورة الآن...؟
لا أستبعدها... ولكن لابد من وضعها ضمن الفرضيات... الدول التي يهمّها شأن تونس اضافة الى دول عربية هناك الدول الغربية. أنا لا أعتقد أن الدول الغربية المهتمة بشأن تونسن ضمن اهتمامها ب المنطقة كلّها (مغاربية أو عربية) تكون محبّذة أوهي تقبل عودة الاضطراب والفوضى الى تونس، لا سيما وأن هذه المنطقة سواء الضيقة المغرب العربي أو الواسعة حسب ما يتصوّرها الأمريكان (المغرب والمشرق معا) لا أظن أنها تسعى الى القضاء على الاستقرار. والدليل، أن الحرب الاخيرة التي اندلعت في «مالي» ثم انتقلت الى «عين أمناس» وقربها من تونس، فإن التطوّرات التي حصلت في مواقف هذه الاطراف، على الحرب التي شنتها فرنسا في «عين آمناس» من التهليل والمساندة إلى شيء من الاحتراز وما علينا إلا أما نرصد مواقفهم واعلامهم كيف تدرجت مواقفهم...من القبول إلى الاحتراز.
بعد أن اقترح السيد حمادي الجبالي حكومة كفاءات من دون المتحزبين، هناك أصوات وتحديدا صدرت عن «نداء تونس» بأن تعطل كل المرحلة ومكوناتها من حكومة ومن مجلس وطني تأسيسي؟
شخصيا أعتبر أن الدولة «مخلخلة» وهشة في أركانها نتيجة للثورة ولأفعال الفاعلين...ولكن الدولة لازالت قائمة، بالمؤسسات الدستورية فهل يجوز الآن أن نتحدث عن تعطيل المجلس التأسيسي الذي يتمتع بشرعية صندوق الاقتراع؟ خاصة وهو المصدر الوحيد للشرعية بعد الثورة أعتقد أن الحديث عن هذا الموضوع هو تصور لنمط من المغامرة السياسية.
هل توضح؟
أنا بقدر ما أكون حذرا في استعمال العبارات المناسبة بقدر ما أني ثابت في موقفي من حيث تفعيل هذه الأفكار والمبادئ وفي هذا المضمار أؤكد أنني لازلت متشبثا بالأحاديث التي أجريتها معي في «الشروق» مازلت متشبثا بمبادرتي التي هي مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل والتي تدعو إلى الحوار للخروج في أقرب وقت من حالة الأزمة والفوضى الدائمة وقد استبشرت بما صدر في هذا المضمار من تصريحات السيد حسين العباسي والسيدة وداد بوشماوي بعد لقائهما بالوزير الأول.
مقترح أو قرار السيد حمادي الجبالي وانطلاقة من اعادة تشكيل الحكومة بمفرده بدون تشاور مع الأحزاب. من الناحية القانونية أي التنظيم المؤقت للسلط العمومية وعمليا هو في حاجة إلى موافقة ومصادقة المجلس الوطني التأسيسي على مقترحه وكذا رئيس الجمهورية المؤقت لتفعيل مبادرته.
اللقاء الذي جمع الرئيس المرزوقي بالباجي قائد السبسي كيف ترى الموضوع من حيث التوقيت؟
المطلوب أن نعرف محتوى المقابلة أولا وثانيا تركيبة الحكومة ومآل قرار حمادي الجبالي عندما يعرض الأمر على المجلس التأسيسي.
إذن كيف ترى السبيل للخروج من هذا الوضع المتأزم فأزمة البلاد لم تعد ظرفية بل مست جوهر الثورة؟
أنا أرى أن الإطار للخروج من هذه الأزمة يتمثل في تفعيل المبادرة للحوار الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل وأنا لازالت متمسكا بها. وهي ترتكز على تنظيم الحوار الوطني وتأطيره وهي المبادرة التي تحصلت على أوفر قدر من المصداقية مقارنة بغيرها من المبادرات.
عرفت تونس في المدة الأخيرة نوعا من اتجاه نحو تغيير نمط المجتمع.. وقد لاقت بعض زيارات «لدعاة» عهدناهم فقط على شاشات الفضائيات، لاقت إذن شجبا وصدا من المجتمع بشكل كبير، لا تعتقد أن مثل تلك الزيارات والقضايا التي اثارها الدعاة قد ساهمت في تغيير الأولويات؟
الجدل والتجاذبات في الساحة بخصوص النمط المجتمعي لتونس ما بعد الثورة يضاف إليه الموقف الأخير الذي اتخذه السيد مصطفى الفيلالي عبر مقاله في «الشروق» (الأحد الفارط 04 فيفري) والرجوع إلى مرجعيات تاريخية وكيف أن تونس تدين بإسلام وسطي فأنا أشاطره تماما في ذاك التحليل.. وكان المقال من حيث التوقيت والمناسبة، ثم أكده في استضافته ببرنامج بالوطنية الأولى يوم الاثنين الفارط.. قلت أشاطره تماما ذات الرأي تجاه هذه الحملة لتغيير النمط المجتمعي التونسي.. وخاصة «الوهابية» التي حسم فيها شيوخ الزيتونة منذ قرابة القرنين من الزمن.
هناك من يحاول اليوم أن يبعث الخوف في تونس. بتصوير المشهد وكأنه يتجه إلى ما عرفته الجزائر لعشرية من الزمن؟
ربي يستر.. ربي يستر.. ربي يسترنا.. من الأمراض المزمنة في الوطن العربي وكذلك من العدوى.. اعتقادي أن ما قلته لك عبر «الشروق» في أول حديث بعد الثورة، من ضرورة تدعيم والمحافظة على العلاقات الاستراتيجية مع الأجوار «ذوو الجنب» وأقصد ليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا.. هو الذي لازل صالحا..
هل تعتقد أن حزب حركة النهضة أخطأ عندما استأثر بالسلطة في زمن التأسيس؟
من أسباب فشل ما يسمى «بالترويكا» هو قلّة التماسك بين أطراف هذا الثلاثي، وقلّة الانسجام داخل كل طرف منها، بما فيها النهضة، وكلها تشتكي من التشتّت.. كما أن النهضة توخت طريقة أعتبرها خاطئة والمتمثلة في الهيمنة بدعوى أنها صاحبة أكثرية الأصوات بالمجلس التأسيسي. وهذا ما قاله شركاؤها في الحكم، وكان قولهم (الشركاء) علنا... «سي أحمد» هناك من قال معلّقا على مجريات الأحداث وخاصة خطاب الجبالي أمس، أن الجبالي أنقذ النهضة من النهضة، وهناك من علّق أنها ثورة أو انقلاب بنفسجي. (يضحك..) وا& أحرجتني يا سيدة كمسؤول سابق، ولي ثقافة التصرف في شؤون الدولة، لا أريد أن أقحم نفسي في الشؤون الداخلية للأطراف السياسية. فهذا شأن النهضة وحدها... وشركاؤها في الحكم أيضا... لأنه اذا كان الأمر كذلك، فإن لي ما أقوله في ما يجري داخل «التكتل» و«المؤتمر»... وكما قلت لك منذ أول الحوارات الصحفية، الى اليوم: أنا انسان مستقل سياسيا... ولا أرتبط عضويا ولا تنظيميا بأي حزب من هذه الأحزاب. اضافة الى ذلك فإن بابي مفتوح أمام كل من يريد زيارتي للتحدث في الشأن العام على اختلاف اتجاهاتهم وإني متمسك بهذا الموقع.
سيد أحمد المستيري، ماذا لو أن الطرف الذي خطط لعملية اغتيال شكري بلعيد لا يطاله منها أمر ايجابي، اي أن ينقلب ما رنا اليه، من مشهد ضدها؟
أنا مسلم والحياة والموت بيد ا&. نحن أمامنا سوابق في تاريخ الاغتيال السياسي. لا يمكن ان يعطي نتيجة. قد يعطي نتيجة حينية للجاني ولمن سلّح يده... ولكن على مستوى استراتيجي، لا يمكن ان ينال المخطّطون ما يرنون اليه. لأن الثورات التي تنطلق من قاعدة جماهيرية هي التي يكتب لها النجاح، رغم المؤامرات لإفشالها.