اغتيال شكري بلعيد رحمه الله سياسي بامتياز.. وفي تاريخنا الحديث اغتيل فرحات حشاد والهادي شاكر وصالح بن يوسف وآخرين تحت التعذيب وصولا الى لطفي نقض في تطاوين.. ماكان في زمن الاستعمار عرفنا دوافعه والقتلة.. ومثلُه اغتيال بن يوسف ولطفي نقض.. وجريمة اغتيال شكري بلعيد محلّ بحث.. لكن تبقى حقيقة لا نستطيع حجبها هي المناخ الذي دخلناه بعد الثورة والشحن الجماعي لبعض النفوس وغياب الحسم في وقف التيار. فمنذ الخامس عشر من جانفي 2011 تعرضت المساجد لهجمة واسعة بهدف «استردادها» بمنطق انتصار الإسلام على الكفر.. وبعضهم ربط بين الإيمان بالله ونبيه الكريم وبين الانخراط في حزب ومنهجه، وبان الرأي المخالف كفر ولم يتوقف هذا الكلام لحد الساعة.. وبعد الانتخابات اشتد الصراع وقوي الاصطفاف.. ولم يتردد البعض حتى من الزعماء السياسيين ورجال الدين في تأييد قوى تسعى إلى فرض رأي ومنهج وتكفير الآخرين.. وجرت اعتداءات على أملاك وأشخاص وأولياء فنُعت ذلك بأنه ترويج لفكر مُحرّمٌ منعُه.. ومن دعا الى القتل صراحة عبر المنابر الدينية والمدنية والافتراضية لم يُسائل.. وجيء بدعاة روجوا بان تونس دولة جاهلية وان الإسلام عاد بفضلهم الى عتباتها.. ولم يجر التصدي لمثل هذه الدعوات التي قسمت التونسيين إلى قلة مؤمنة وأغلبية مُلحِدة.. وقتل لطفي نقض فجاء من يقول إن قتله عمل « ثوري».. وأصبحت التهديدات رائجة ولم يتحرك الأمن والقضاء لإنصاف المهددين.. وبعض من اعتدوا على ممتلكات وأشخاص وقرى بكاملها لم يوقفوا أصلا او أوقفوا لأيام وأحيانا لساعات ولم يُجرّموا.. محصلة ذلك أن التكفير أصبح مباحا والتهديد بالقتل لم يعد جريمة والفاعلون في مأمن من محاسبة أو عقاب.. والشحن الديني خطير وفي سبيل العقيدة أيا كانت هناك من يصبح مستعدا لإزهاق الأرواح بما في ذلك دمه حتى من دون إعمال فكر.. قيل لمن أطلق النار في مصر على نجيب محفوظ لماذا فعلت ذلك فقال لأنه كافر.. وسئل هل قرأ له شيئا من كتاباته حتى يقوم بتكفيره فقال انه لم يقرا.. فقط أقنعوه بأنه كافر فأقدم على فعلته مؤمنا بأنه يقتل مرتدا عن دينه.
في مناخ مثل الذي وصلنا إليه لا مفرّ من الاعتداء على الاجتماعات وعلى مقرات الأحزاب وعلى مقامات الأولياء.. وأيضا على الأشخاص.. واغتيال المرحوم شكري بلعيد يدخل في هذا السياق.. لا ندري الى اين ستوصل التحقيقات في الكشف عن القاتل او القتلة لكن المؤكد ان ما حصل حصاد مُرّ لما بُذِر في المجتمع من أحقاد وضغينة وفرز بين مؤمن وكافر.. وما بعد اغتيال شكري بلعيد ليس كما قبله.. فإما أن يتغلب العقل وحب الوطن على حب السلطة والكراسي.. وإما المزيد من الفعل وردة الفعل والدخول في نفق دموي مجهول جنبنا الله إياه.