بدأ حمادي الجبالي يوم أمس مشاوراته مع ممثلي الأحزاب السياسية حول مقترحه القاضي بتشكيل حكومة كفاءات وطنيّة وسط أجواء تنذر بتأزّم جديد في الساحة. وكان الجبالي الذي يترأس حكومة ائتلاف ثلاثي منذ 22 ديسمبر 2011 قد اعلن مساء اغتيال الشهيد شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد يوم 6 فيفري الجاري أنّه قرّر شخصيّا حلّ حكومة الترويكا وتشكيل حكومة تكنوقراط سترافقه في تنفيذ برنامج الحكومة الى حين تنظيم الانتخابات.
هذا القرار أطلقت عليه تسميات عديدة فهو «انقلاب أبيض» كما يراه الإسلاميون الذين يرون في كل ما حدث بما في ذلك اغتيال بلعيد خطّة لإزاحة النهضة من الحكم وعزلها سياسيا فيما وصفت أحزاب المعارضة، وأيضا حزب التكتل الحليف في السلطة، هذا القرار بالثوري بامتياز.
مصادر مقربة من رئيس الحركة راشد الغنوشي قالت إنّ الجبالي فاجأ الجميع بقراره غير المتوقّع وأنه فعلا لم يستشر أحدا في هذا القرار الامر الذي ينفي ما رآه البعض سيناريو استراتيجي تمّ إعداده لتخليص النهضة من ملف الحكم بطريقة ذكية وهي خلق خصومة وهميّة بين الامين العام وحزبه بهدف تقوية رئيس الحكومة من جهة وتخليص النهضة من ثقل السلطة في فترة حساسة تتميز بتأزم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والامنية وحتى تنصرف الحركة نحو الاعداد للمعركة الانتخابية المقبلة.
مصادرنا قالت ايضا إنّ موقف الامين العام لا يبدو واضحا وأنه ربّما تعرّض لمحاولة استقطاب أو هي محاولة شخصية للبروز خاصة وأن إحدى الصحف المقربة من الحركة قالت إنّ ما اقترفه حمادي الجبالي «مغامرة محفوفة بالمخاطر وقبل ذلك تعبير عن رغبة وطموح شخصيين لم يغيبا عن ذهنه لحظة منذ تقلده رئاسة حركة النهضة في الثمانينات وهو أن يكون الاب المؤسس الثالث».
ولمّحت مصادرنا بأنّ الانقسام بدأ حقيقة يهدّد حركة النهضة من الداخل إن أبدى الامين العام تصلبا تجاه مقترحات الحركة فيما يتعلّق بشروط قبولها لهذه المبادرة. ومن شروط حركة النهضة الإبقاء على علي العريّض وزيرا للداخليّة.
هذا التمسّك المتواصل بحقيبة الداخليّة فسّرته مصادرنا بالقول إنّ العريّض اثبت كفاءته كوزير داخليّة استطاع التفريق بين رجل الدولة والمسؤول المتحزّب كما أنّ الوضع الأمني الحالي لا يحتمل التغيير على راس الوزارة.
في المقابل أعلنت أغلب أحزاب المعارضة تمسّكها بالتحييد الكامل لوزارات السيادة في حكومة التكنوقراط التي يعتزم حمادي الجبالي تشكيلها وهو «مطلب اساسي ولا نقاش فيه خاصة فيما يتعلّق بتحييد وزارتي العدل والداخلية» حسب قول سعيد العايدي عضو اللجنة المركزيّة للحزب الجمهوري أبرز أحزاب المعارضة.
المعارضة تصف تحييد وزارة الداخلية بأنها من المطالب الاساسية في الآن نفسه الذي ترى فيه النهضة أنّ التمسّك بوزارة الداخلية مطلب اساسي للقبول بمبادرة الامين العام.
ويبدو أنّ معركة وزارة الداخليّة ستطول إن لم يحسم رئيس الحكومة حمادي الجبالي موقفه في أن ينسحب التغيير على وزارة الداخلية ليتولّى الحقيبة شخصية وطنية مستقلة.
هناك مبررات كثيرة ترشّح تغيير العريّض منها فشل الوزير الحالي في التصدّي للجناة والمعتدين على المواطنين وعلى المثقفين وعلى الاعلاميين والنقابيين والسياسيين والمتورطين في حرق الاضرحة وغيرها من الاعتداءات بالإضافة الى فشل الوزير الحالي في تأمين الحماية للشهيد شكري بلعيد رغم تواتر التهديدات بالقتل بالإضافة الى ورود تقارير أمنيّة لرئيس الجمهورية تفيد جدّية استهداف الشهيد ويمكننا بالمناسبة طرح السؤال حول مدى التنسيق بين الامن الرئاسي والداخلية ففي الوقت الذي نبّهت فيه الرئاسة بلعيد بخطورة التهديدات وعرضت عليه الحماية نفت الداخلية وجود هذه التهديدات بحسب ما ذكره شوقي الطبيب ل«الشروق» في عدد الأمس.
هناك مبررات أخرى كثيرة يمكن تقديمها حول فشل وزير الداخلية في دوره فالوضع الامني يزداد سوءا بدليل إقدام مجهول في وضح النهار على ارتكاب جريمة قتل مواطن تونسي أمام منزله.
موقف النهضة المنادي بضرورة التمسّك بحقيبة الداخليّة مبرراته ضعيفة وربّما هي مبررات سياسيّة يمكن تفهّمها وتفهّم مخاوف الإسلاميين من «التفويت» في هذه الوزارة التي كان لها دوما دورا هاما في كواليس الدولة التونسية بل إنّها كانت دوما «ماكينة» النظام.