شلل تام تعيشه إدارتنا اذ تعمل حاليا بأقل من 20٪ من طاقتها فجل المديرين والمديرين العامين «معطلون» عن العمل هذا ما أكده مصدر مطلع فضّل عدم الكشف عن اسمه مضيفا ان عددا من هؤلاء الاطارات يتغيب تماما عن مواقع العمل. هذه هي وضعية إدارتنا حاليا أما الأسباب فهي عديدة أهمها الاعلان عن تحوير وزاري منذ أشهر فلم يعد الوزير والمدير محفزا للعمل وهو يعلم أنه زائل قريبا كما لم تعد للوزراء الهيبة التي تجعل المديرين او المديرين العامين يحرصون على العمل او تطبيق التعليمات إن وجدت.
هذه احدى الأسباب لكن مصدرنا أكد ان أهم سبب أحدث حالة تعطيل الإدارة و«تجميد» الموظفين انطلق منذ جانفي الماضي رغم ان هؤلاء الموظفين أنفقت الدولة في تكوينهم في الداخل والخارج مئات الملايين وقد تم تعيين موالين للنهضة في هذه الإدارات لا يعلمون طريقة العمل والهياكل الإدارية القائمة في الإدارة منذ عشرات السنين مهددة بالانهيار ولاحظ انه لا يوجد فرز حقيقي ولا معايير للإصلاح والتدقيق في الموظفين والكوادر التي انخرطت في الفساد من دونها. وأضاف انه للاسف مازال بعض الفاسدين في دائرة النفوذ في حين جمّدت الكفاءات وقد زادت وضعية الإدارة سوءا بعد الاعلان عن التحوير الوزاري. ولاحظ مصدرنا أنه حتى برامج الاصلاح الإداري التي تم الاعلان عنها مع محمد عبو تم التراجع عنها.
وأضاف ان الإدارة التونسية تعيش منذ جانفي 2011 حالة شلل وهي مهددة بالانهيار ان لم يتم اقرار اصلاحات جذرية.
حلول
ويرى مصدرنا أن الحل الجذري يتمثل في تعيين مسؤول مباشر يشرف على ملف الإدارة ورسم خطط عاجلة وملامح استراتيجية لإصلاح هذا القطاع بالتوازي مع اصلاح القضاء والأمن والاعلام.
وعن خسائر الإدارة التونسية من وضعية التجميد المقصود لكوادرها قال مصدرنا انها تكلف الدولة مليارات.
شهادة
وفي حديثنا لعدد من المديرين العامين منهم إطار بقسم المحاسبات ذكر انه لم يعمل طيلة سنة لأكثر من يومين أو ثلاثة فقد عبّر منذ البداية عن رغبته في الاصلاح فما كان من زملائه ورؤسائه في العمل سوى تجميده وذلك بعدم تمكينه من الملفات. المهم ان هذا المدير منذ أشهر يذهب الى مكتبه فقط لقراءة الصحف أو أنه يتغيّب تماما المهم انه لا رقيب عليه وعلى المئات من زملائه بل الآلاف من الذين أصبحوا لا يذهبون الى عملهم سوى للحصول على منحهم ورواتبهم!.. ولا أحد يلومهم لأن التوجه العام يدفعهم «للاعمل» بل هذا الوضع مفروض على جلّهم كما انه يحلو لبعضهم الآخر.
مليارات
«الشروق» تحدثت الى رئيس جمعية الشفافية المالية السيد سامي الرمادي الذي ذكر ل «الشروق» أن إدارتنا تعمل بأقل من 20٪ من قدرتها فعقلية التونسي بطبعه لا يتحمّس كثيرا للعمل في الأوضاع العادية وهو يميل الى المطالبة بالحقوق أكثر من القيام بواجباته. وقد تفاقم المشكل في الوضع الحالي الذي يخلو من نظرة استشرافية فالتونسي يعمل عادة بواعز الخوف من مرؤوسيه وهذا الخوف منعدم في المرحلة الانتقالية وحتى حكومة الكفاءات اذا ما تم اعتمادها فلن نستفيد منها من جهة تحريك الإدارة بل من حيث حياد الانتخابات المقبلة.
وأضاف الرمادي انه في الأوقات العادية تعمل الإدارة التونسية ب 30٪ من قدرتها مقارنة بالدول الأخرى منها سويسرا والدول الاسكندنافية... أما في الحالات الانتقالية فالطاقة دون ذلك بكثير.
القدوة الحسنة
ولاحظ مصدرنا أنه لو وجدت قدوة حسنة في كبار مسؤولي الدولة لأعطوا المثل الحسن لبقية الشعب وتساءل مثلا كيف يحافظ رئيس الدولة المؤقت على نفس امتيازات بن علي وراتبه في حين كان يمكن ان يلغي كل ذلك بأمر ليكون أفضل قدوة لبقية أفراد الشعب والموظفين.
25 ألف موظف
ولاحظ نفس المصدر ان في تونس حاليا نحو 580 ألف موظف في الإدارات وتعتزم الدولة انتداب 25 ألف موظف جديد في 2013 اي ما يناهز 5.4٪ من الشعب يعملون في الوظيفة العمومية مقابل 2.4٪ في الدول المتقدمة. وتساءل لماذا لا يتم القيام بدراسة جدوى لتقييم النقص الذي يشهده قطاع الوظيفة العمومية قبل ان يتقرر انتداب 25 ألف موظف جديد.
وأضاف ان المرسوم الأخير الصادر حول إلحاق 2500 شخص من المنتفعين بالعفو العام بالوظيفة العمومية حتى إن كانت أعدادهم أعلى من حاجيات الإدارة تجعلنا نطرح أكثر من تساؤل خاصة أن حاجة إدارتنا للموظفين مقارنة بالدول المتقدمة يجب ان تتقلص الى النصف اي ان الزيادة في عدد الموظفين تناهز 200 ألف موظف وإذا ضربنا هذا الرقم في معدل رواتب تناهز 800 دينار فإن الرواتب المهدورة التي يحصل عليها موظفو الإدارة ليست في حاجة لخدماتهم تصل الى نحو 160 مليارا من المليمات وإذا ما أضفنا الى كل ذلك مردودية هؤلاء الموظفين فإن عدد المليارات قد يتضاعف (غيابات وحضور دون القيام بالعمل..) مليارات مهدورة على امتيازات ورواتب دون انتاج فإلى متى يتواصل هدر كل هذه المليارات والطاقات البشرية في حين كان من الممكن استثمارها في إصلاح البلاد وشؤون المواطن..