حصيلة الزيارات الفجئية التي يقوم بها منذ أسابيع فريق من إدارة الاصلاح الاداري تبدو مفزعة اذ تم رصد نسبة عالية من الغيابات عن مقرات العمل بلغت 37٪. هذا ما ذكره السيد زهير حمدي مكلف بمهمة لدى رئاسة الحكومة. وأضاف ان هذه الزيارات شملت حاليا اقليمتونس الكبرى منها بعض الادارات المركزية والجهوية وعددا من البلديات. ولاحظ المتحدث أن نحو 33٪ فقط من الأعوان والاداريين عموما يعملون في حين تتغيب الأغلبية. وأضاف ان ظاهرة التغيب عن العمل و«الفصعة» موجودة من قبل لكنها لم تصل الى هذا المستوى من التسيب الا بعد الثورة. ذلك ان بعض الإدارات التي تمت زيارتها لم يكن يوجد فيها اي موظف خلال وقت الدوام! مما انجرت عنه تشكيات عديدة للمواطنين وتعطيل مصالح ومرافق عمومية بشكل تام. وعن الاجراءات القانونية التي يتم اتخاذها لردع هذا الانفلات في الادارات ذكر مصدرنا أنه يتم ارسال مكتوب للوزير المعني أو الذي تعود اليه الادارة بالنظر لإعلامه بهذه التجاوزات. كما يتم خصم أيام من المرتب للموظف المتغيب وتوجيه استجواب وعموما هناك تدرج في العقوبات يتم احترامه. وذكر محدثنا ان هذه الزيارات كان لها أثر ايجابي اذ لاحظ الفريق ان بعض الإدارات أصبحت نسبة الحضور فيها كاملة وذلك كنتيجة لصدى هذه الزيارات بين الموظفين والادارات عموما. وينتظر ان تعمم هذه الزيارات الميدانية على كل الإدارات بما في ذلك المتواجدة بالجهات. اصلاح إداري ويواصل محدّثنا القول بأن بلادنا تعيش وضعا استثنائيا صعبا والحكومة حاليا بصدد القيام بإصلاح كامل للمنظومة الإدارية من بينها مسألة غياب الموظفين واصلاح منظومة التوقيت الاداري واحترام الاعوان لوقت الدوام. كل هذه المحاور هي مفتوحة للحوار مع المجتمع المدني والموظفين تحت اشراف وزارة الاصلاح الاداري وهناك خطط آجلة وأخرى عاجلة لإصلاح الإدارة. ومن الاجراءات العاجلة التي انطلق اعدادها تبسيط الاجراءات الإدارية وقد بلغ المشروع أشواطا ممتازة خاصة في المناطق الغربية للبلاد، في انتظار تعميم هذا الإجراء. من جهة أخرى ينتظر ان تتحسّن جودة الخدمات الادارية بفضل منظومة «المغسلة التشريعية» التي ستطور مناخ الأعمال والاستثمار وذلك عبر الاستغناء عن حزمة التشريعات التي تعطل الاستثمار.. وينتظر ان ينطلق العمل بهذه المنظومة خلال 9 أشهر. التحفيز سألنا مصدرنا ما اذا كانت هناك نية في تحفيز الموظف أو العامل المجتهد حتى لا يحصل الجميع في النهاية على نفس المرتب في حين ان هناك تفاوتا في الجهد فأجاب بأنه لابد من مراجعة منظومة التأجير في اتجاه ما هو معمول به في القطاع الخاص لكن هذا المطلب ليس عاجلا ومازال لم يحدد بعد في اي اتجاه ستكون هذه المراجعة وما اذا كان سيتم الغاء قانون الوظيفة العمومية لسنة 83 باعتباره لم يعد يواكب الوضع الاقتصادي الحالي. وأضاف مصدرنا ان تحفيز الموظفين ومراجعة منظومة التأجير مسائل ضرورية لكن أولويات المرحلة هي تحييد الإدارة وهي أولوية مطلقة حاليا الى جانب مكافحة الفساد والرشوة. وتبسيط الاجراءات الإدارية وتحسين مناخ الاستثمار. اعترف المسؤولون في الدولة بارتفاع نسبة تغيب الموظفين عن عملهم خلال فترة الدوام بنسب مفزعة مما تسبب في تعطل عدة إدارات تونسية لكن كيف يعيش التونسي هذه الوضعية وكيف يقيمها؟ هذا ما ستجيب عنه هذه الشهادات. في البداية لابدّ من الاشارة الى أننا التقينا عددا من الموظفين خارج إداراتهم خلال انجازنا لهذا التحقيق... احدهم كان على عجلة من أمره وقد ذكر لنا أنه ترك مكتبه فارغا لذلك فهو لا يستطيع الحديث إلينا.. أما السيد فريد بن جمعة فقد ذكر أنه من أجل قضاء مصلحة اضطر لارتياد احدى الوزارات يوم أمس واليوم اذ تغيب بالأمس الموظف المكلف بالمهمة ثم اضطر اليوم لانتظاره طيلة ساعة وربع... ولاحظ أن هذا الانفلات متواتر في جلّ الإدارات خاصة منها البلديات التي تعمل وفق شعار «على قد فلوسهم». وأرجع محدثنا هذا التسيب الى غياب هيبة المسؤول والوزير فشعار المرحلة «ديڤاج» لكل من يستعمل سلطته لفرض النظام! أين المديرون؟ بهذا السؤال استهلّ السيد محمد بن زهرة حديثه عن الانفلات الذي تشهده الإدارة التونسية ولاحظ انه اذا كان المديرون متغيّبين فلا لوم على بقية الموظفين. وأضاف انه في احدى الإدارات التي تضمّ 8 شبابيك لإسداء خدماتها للمواطن هناك شباك واحد فقط يعمل حاليا في حين ان البقية «فاصعين». وتساءل كيف يدفع المواطن أداءاته لخلاص موظف لا يعمل!؟ كذلك ذكرت السيدة منى أن الكل يطالب بالعمل والزيادة في الأجور بعد الثورة لكنهم لا يحاسبون أنفسهم ولا يحكمون ضمائرهم فالبلاد اليوم في أشدّ الحاجة الى جهد أبنائها لإعادة البناء لكن المزعج ان الكل يطالب ويأخذ ولا أحد يعطي من جهده.. لكن محمد النابلي (موظف) له رأي مخالف اذ يرى ان الموظف يقوم بواجبه وهو ما يلاحظه في الإدارة التي يعمل بها او عندما يتجه لإدارات أخرى لقضاء شؤونه وهو رأي يتفق حوله الكثيرون بشهادة ان الإدارة التونسية واصلت عملها بصلابة بعد الثورة والحمد لله ولم تشهد انهيارا لكن البعض الآخر يلاحظ أن عددا من الموظفين يعملون مقابل آخرين يتقاعسون وفي الأخير يحصل الجميع على نفس الراتب مما يستوجب خلق منح تحفيزية حتى يتحمّس كل الموظفين على العطاء.. «الشروق» الخميس 12 أفريل 2012 هادية الشاهد المسيهلي , صور: طارق سلتان