مكتب فاخر، حاسوب، وهاتف وكهرباء وصيانة ومرتب شهري مغر وأشياء أخرى.. كل شيء يوحي بالنشاط والعمل والاضافة الى هذا الوطن لكن ما خفي كان أعظم حيث يأخذنا المشهد الآخر الى كوادر وإطارات عليا وكفاءات لا يمكن حصرها اجتهدوا من أجل الرّقي بتونس وبمؤسساتها وعملوا على تطوير إدارتها لكن رأى رؤساؤهم أن في تجميدهم وبقائهم في هذه المكاتب كبقية أثاثه خير لهذه المؤسسة من استغلال خبراتهم.. غير مهتمين بالخسارة التي تتكبدها المؤسسة من ناحية وهذه الاطارات من ناحية أخرى. تؤكد مصادر مطلعة بهذا الشأن أن الدولة تنفق قرابة 40 ألف دينار سنويا على المجمّدين دون احتساب الامتيازات وفي نفس السياق أكد هؤلاء الاطارات على الخسارة التي يتكبّدها من هم في مثل هذه الوضعية حيث تتوقف مسيرتهم العملية في الساعة والشهر والسنة التي تمّ تجميدهم فيها. مسؤولية «الأعراف» هذه الوضعية التي يعيشها عدد كبير من إطارات تونس وكفاءاتها العليا تسبّبت فيها مجموعة من المسؤولين الذين كانوا «يصولون ويجولون» في العهد السابق ولازالوا يجمّدون الكفاءات على مزاجهم ومتى يروق لهم خدمة لمصالحهم الشخصية وغاياتهم الفردية.. هذه الشهادة وصلتنا من بعض الكوادر التونسية التي تمرّ بهذا الظرف ومازالت تعيش هذه التجربة الى حدّ اليوم، وبين الاطار المجمّد والمسؤول المتسلّط تتكبّد الدولة سنويا خسارة فادحة تقدّر بالمليارات بما فيها خسارة المؤسسة وما تنفقه على المجمّدين. 8 سنوات تجميد وفي هذا الاطار وافتنا احدى الاطارات التونسية بشهادة تحمل تجربة شخصية هي دكتورة في الجيولوجيا اختصاص «بالينولوجيا» ورئيسة دائرة المخابر بالمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية مبعدة عن كل نشاط منذ أواخر 2003 وهو ما استوجب أيضا تجميد المخبر رغم كثرة الطلبات وعن أسباب وضع هذا الاطار في «الفريڤو» وإبعادها عن كل نشاط تقول «لأنني أتعارض مع المسؤولين بحكم خبرتي في هذا الشأن ولأني أغار على هذه المؤسسة وأبحث دائما عن رقيّها وتطوّرها ولأني أتعارض أيضا مع زوجة مسؤول سابق في إطار العمل تمّ تجميدي وإبعادي عن المخبر..». 8 سنوات تعيش مختصّة البلنيولوجيا معزولة عن كل نشاط تذهب كل يوم الى مكتبها تشغل نفسها بكتابة الشكاوى وما تلاحظه من تجاوزات في المؤسسة لتعود في مساء ذاك اليوم دون إضافة تذكر. ورغم أن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية شهدت تغييرا في الرئيس المدير العام من سنة الى أخرى إلا أن حالها يزداد سوءا من سنة الى أخرى حسب شهادة أعوانها. وقد أكد لنا إطارها المجمّد أنها حاولت عديد المرّات الاتصال بالرئاسة والوزارة لفتح قنوات الاتصال لكن دون جدوى. خسارة بالجملة ويعدّ هذا المخبر الوحيد في كامل الجمهورية التونسية الذي يهتم بدراسة العيّنات لتوجيه الشركة لبلوغ الأهداف التي تحدّدها قبل وأثناء وبعد عملية الاستكشاف. وتعمل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية على تحضير الأرضية الملائمة لتشجيع كل مستثمر أجنبي في هذا المجال وأضافت دكتورة الجيولوجيا أنه قد تمّ في الفترة الأخيرة عرقلة مشروع كان بإمكانه أن يدرّ أموالا طائلة على البلاد حيث اتصلت بهم شركة أجنبية تستثمر في مجال البحث والتنقيب عن النفط بالجنوب التونسي وطلبت من المؤسسة دراسة عيّنات ما يقارب 19 بئرا تمّ حفرها بالجنوب التونسي بين الخمسينات والثمانينات إلا أن الشركة رفضت بحجة أنها لا تملك العيّنات على حدّ تعبير صاحبة الشهادة. تجاوزات هذه الدكتورة لم تكن الوحيدة المجمدة في هذه الشركة بل ان المظلمة طالت أيضا فني سام في تحضير العيّنات للدراسة الجيولوجية اختصاص بيتروغرافيا العضوية والبانيلوجيا وصاحب شهادة جامعية وتكوين في فرنسا وأنقلترا ذنبه الوحيد أنه اعترض على تجاوز القانون في هذه المؤسسة عندما عمد الرئيس المدير العام سنة 2003 الى تسمية زوجته مديرة على المخابر وهو ما يتعارض مع النص عدد 3 من قانون المؤسسة ولهذا السبب تمّت إحالة الفني السامي على مجلس التأديب وتجميده عن كل عمل وحرمانه من كل الامتيازات. وقد أكد مختصّ البتروغرافيا أنه والدكتورة (ف) الوحيدان المختصّان في هذا المجال وهما يكمّلان بعضهما في المخبر وأضاف أن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية عندما ترفض أي عمل في مجال حفر الآبار تضطرّ الشركة الأجنبية الى القيام بالتحاليل في شركات خارج الوطن وهو ما يعود بالخسارة على الشركة في حين أنه كان بإمكانها كسب المليارات، لذلك يرى كوادر المؤسسة المجمدين والمنتمين الى لجنة الدفاع عن المؤسسة المتكوّنة من الأعوان أن المسؤولين لم يحافظوا على هذه المؤسسة بالاضافة الى تهميش الاطارات والكفاءات العليا لذلك طالبت لجنة الدفاع عن المؤسسة بفتح تحقيق في الملفات المشبوهة ومن أهمها ملف المخبر ومطالبة الادارة بفتح حوار مع الأعوان والاجابة عن بعض الأسئلة المحيّرة والتي تهمّ الوثائق المهمّة والعينات والآبار المفقودة ومطالبة الادارة العامة بنشر كشف شامل عن الامتيازات المادية الممنوحة لغير أجراء المؤسسة وتحميل الادارة مسؤولية توقف الانتاج والاضطرابات السائدة الناتجة أساسا عن سوء التصرّف والمحاباة. ظاهرة خطيرة إن هذه الوضعية التي تعيشها إطارات المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ليست بظاهرة فردية وإنما عدد «الكوادر» المجمدين في الادارة التونسية لا يمكن حصرها بسبب تفشي الفساد والمحاباة وخدمة المصالح الخاصة وهو ما يعيشه أيضا أعوان شركة البحث عن النفط واستغلاله بالبلاد التونسية «SEREPT» الذين يعانون من الفساد في التسيير الاداري. هذه الظاهرة أصبحت تنبئ بالخطر كوادر وإطارات يشغلون المكاتب دون استغلال خبراتهم ويتقاضون أجورهم وتتكبّد الدولة الخسارة الكبرى.. وبعد ثور ة الحرية والكرامة يطالب هؤلاء بضرورة سقوط رموز الفساد في الادارة التونسية والتعجيل بإيجاد حل سريع يعيدهم الى النشاط حتى يستمرّوا في العطاء الى هذه المؤسسات من أجل الرّقي بالبلاد.