تحلّ يوم غد الذكرى الرّابعة والعشرون لتأسيس اتحاد المغرب العربي في مدينة مراكش فيما لا يزال هذا الهيكل في غرفة الانعاش بل إنه يكاد يتحول الى مجرد «ذكرى» سنوية نبكي فيها على أطلاله رغم «أحلام اليقظة» التي «تتسلل» بين الفينة والأخرى الى ذكراتنا المتعبة و«المزدحمة» بمحطات «الفشل» والتي تبعث فينا الأمل في كل مرة بأن هذا الاتحاد لم يلفظ أنفاسه بعد... ولايزال قادرا على النهوض.. و«الإقلاع» مجددا.. اليوم، من يتذكّر الاتحاد المغاربي؟ قبل 24 عاما كانت الآمال عريضة حين وقع الحكام الخمسة في مدينة مراكش على وثيقة تأسيسه... آنذاك كان هناك إجماع وإيمان «جماعي» بضرورة هذا «التجمع الاقليمي» وبأهدافه... أما اليوم، اختفى ثلاثة من هؤلاء الحكام لم بق من كل تلك الآمال والأحلام سوى «الألم» والحيرة بعد أن أصيب هذا الهيكل بالشلل وتعرّضت مؤسساته الى «العطب» والخلل..
ورغم ان سبب هذا الشلل والخلل كان يعزى في السابق الى غياب الإرادة السياسية أساسا فإن رياح «الربيع العربي» التي هبّت قبل عامين على المنطقة «أزاحت» هذه الرؤية والفرضية من «طروحات» وتحليلات المراقبين والباحثين وأحيت الأمل مجددا بانبعاث هذا الاتحاد بعد سنوات من الضياع والجمود.. لكن تجري «رياح» هذا الربيع بمالا تشتهي «سفن» شعوب المنطقة على ما يبدو.. فهذا الجمود لا يزال يراوح مكانه بل إنه لم «يبرح» حتى «المربّع الصفر» الذي تركته فيه الأنظمة «المخلوعة» وذلك على الرغم من الرحلات «المكوكية» التي قام بها «القادة الجدد» وفي مقدمتهم الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي الذي ذهب بعيدا في حلمه هذا بل وأعلن أصلا عن عقد قمة مغاربية بتونس في عام 2012 لكن انقضى هذا العام ولم تعقد هذه القمة لا في تونس ولا في غيرها وبان أن هذه الصحوة كانت على ما يبدو «مؤقتة»... فهل قدر هذا الحلم ان «يقبر» إذن... وهل قدر شعوب المنطقة أن تدفع «فاتورة» غياب هذا الاتحاد وضياعه. «الشروق» تخصص العدد الجديد من ملفها السياسي لتسليط الضوء على واقع الاتحاد المغاربي وآفاقه.
باحث موريتاني : اتحاد مغاربي جديد «يتشكّل»... والحلّ في «مغرب الشعوب»
رأى الكاتب والباحث الموريتاني الدكتور محمد الأمين ولد الكتاب أن الاتحاد المغاربي يمر اليوم في الذكرى الرابعة والعشرين لانبعاثه بمرحلة تفكيك وإعادة بناء سيخرج منها في النهاية بملامح جديدة.
وقال إن هذه الملامح الجديدة ربما يصعب تبيّن قسماتها بكل وضوح في الوقت الراهن لكنها ستكون بالتأكيد مغايرة للملامح التي كان يتسم بها في ما مضى. وأضاف ان التحولات الجديدة التي لحقت ومازالت تلحق بالمنطقة سوف تغير قواعد اللعبة التي كانت سائدة في الفضاء المغاربي وذلك تبعا لتغير الفاعلين السياسيين ونتيجة لطبيعة مرجعياتهم الايديولوجية ورؤاهم السوسيوثقافية وأهدافهم الجيوسياسية.
وتابع قوله ان الاتحاد المغاربي كان قبل الربيع العربي شأنه شأن بقية الكيانات الاقليمية العربية الاخرى عبارة عن زمرة من الرؤساء تعمل بشكل ممنهج وممأسس على البقاء في السلطة لأطول وقت ممكن وتسعى الى تأبيد الانظمة التسلطية التي تقودها.
وأوضح ان هذه الأنظمة لم تصرف يوما عنايتها لتوظيف موارد بلدان المغرب العربي وتماهي شعوبها من أجل تحقيق النماء الاقتصادي والاندماج الاجتماعي والارتقاء الفكري والتطور العلمي والتكنولوجي الذي تطمح اليه الشعوب المغاربية.
وأشار الى ان نتيجة هذه السياسات كانت تنامي غضب الشعوب المغاربية وتفاقم سخطها وتجذر رغبتها في التغيير فقاد ذلك الى بروز حراك اجتماعي وسياسي يختلف شدة وعنفوانا من بلد مغاربي الى آخر حيث اتخذ شكل ثورات جذرية في كل من تونس وليبيا واكتسى في المغرب صيغة اصلاحية تستهدف اعادة صياغة المشهد السياسي بالبلاد في حين مازال المخاض جاريا في كل من موريتانيا والجزائر.
وأوضح انه نتيجة للربيع العربي وللذهنية والمسلكيات التي استتبعها فإن الاتحاد المغاربي يوجد اليوم على عتبة مرحلة فارقة بين الاوضاع التي كانت سائدة على مدى العشريات الثلاث الماضية والتي لم تكن تلبي توقعات الشعوب المغاربية وبين أنساق جديدة لم تتضح قسمات ملامحها بعد.
وأضاف: «انه بات من المؤكد اليوم ان هذه الانساق الجديدة سوف تتسم بسيطرة القوى الاسلامية على المشهد السياسي المغاربي وباستيقاظ الهويات الفرعية المتمثلة في الاقليات العرقية التي سوف تعمل على لفت الانتباه الى خصوصياتها وهواجسها المميزة وستسعى أكثر من اي وقت مضى الى اسهام أكبر في صياغة مستقبل المنطقة المغاربية. السوق المغاربية المشتركة : «حلم مشروع»... و«مشروع حلم»
شهدت منطقة المغرب العربي خلال الشهور القليلة الماضية لقاءات ومشاورات مكثفة بين صانعي القرار في الدول الخمس المكونة له في محاولة لبعث بعض أهداف اتحاد المغرب العربي، كان آخرها ورشة عمل جمعت مسؤولين وزاريين، وأطرها كل من البنك الدولي واتحاد المغرب العربي ووزارة التجهيز من أجل تعزيز التجارة بين دول المغرب العربي في أفق تحقيق حلم خلق سوق مغاربية مشتركة.
وقد اتفقت دول المغرب العربي الخمس على خطة شاملة لتعزيز التجارة الإقليمية بينها، يأتي هذا في وقت لم ترق فيه بعد التجارة الإقليمية إلى المستوى المطلوب، وذلك عن طريق الاستثمارات في البنية التحتية، وتوحيد الإجراءات الجمركية وتوسعة خدمات النقل واللوجستيك عبر الحدود. ويُعتبر الاتفاق الذي أفضت إليه ورشة العمل الوزارية، التي انعقدت بالرباط حول تيسير التجارة، صيغة للمزيد من التكامل الاقتصادي مع وعد المنتجين المحليين بجني مكاسب كثيرة، وخلق سوق إقليمية تضم بين ظهرانيها 90 مليون مستهلك.
ففي سنة 2008 لم تكن التجارة بين دول الاتحاد لتتجاوز ثلاثة في المائة من إجمالي التجارة في المنطقة. بالمقابل بلغ حجم التبادلات التجارية في منطقة الاتحاد الأوروبي 63.6 في المائة و24.6 في المائة بين بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا و15 في المائة في السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية. وتستمر تلك المستويات التجارية المتدنية بين دول منطقة المغرب العربي على الرغم من وجود إطارات مؤسساتية متداخلة لتحقيق التكامل الإقليمي مثل اتحاد المغرب العربي ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، حيث قدرت دراسة صدرت سنة 2006 عن البنك الدولي الخسائر الناجمة عن ضعف الاندماج التجاري لدول المنطقة بما يعادل اثنين إلى ثلاثة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لدول المغرب العربي.