أصبح السيد حمادي الجبالي منذ إعلانه تأسيس حكومة كفاءات من أكثر الشخصيات المثيرة لحديث العام والخاص وتعدّى الحديث المبادرة في حد ذاتها ليسلط الضوء على هذه الشخصية السياسية التي بعد أن عكست شكلا كاريزما وحضورا متميزا فإنها رسخت صفات الزعيم السياسي من بعد نظر ورجاحة في الفكر. هذه الصفات برزت من خلال مواقف مصيرية تجاوزت المصلحة الشخصية لتشمل المصلحة العامة وانعتقت من الضيّق الحزبي لتمتد نحو الأرحب الوطني فاستحق شهادة التميز في ظرف اختلط فيه الحابل بالنابل.
الكفاءة أولا
كل من استفسرناه من المقربين من السيد حمادي لم يستغربوا هذا الموقف منهم السيد عبد الدايم النومي وهو من الشخصيات القريبة جدا من الجبالي بدأت صداقتهما منذ 1978 وقد أكّد قائلا «لم أستغرب مبادرة السيد حمادي بحكم أصالة هذا الفكر في شخصيته التي تكرس المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصة وأهم ما أتذكره في هذا السياق اجتماعه سنة 1979 مع قيادي حركة الاتجاه الإسلامي بعد أن اجتاز العديد منهم اختبارا في مناظرة نظّمها مصنع الغزل سيتاكس بسوسة وكانوا قد عبروا عن تخوفهم من عدم النجاح في هذا الاختبار حيث توجه إليهم سي حمادي قائلا «لو كنتم في موقع القرار أي مقياس تختارون لقبول التقنيين الكفاءة أم الانتماء للحركة الإسلامية وبعد استماعه لإجاباتهم المختلفة أقرّ لهم قائلا «بالنسبة إلي الكفاءة هي المقياس الوحيد مهما كانت انتماءات الشخص لأن نجاعة العمل لا يحدده الانتماء الحزبي». وأضاف النومي «وعندما سمعت بمبادرة الجبالي الأخيرة قفزت ذاكرتي مباشرة إلى هذه الذكرى فبعد 34 سنة يعيد سي حمادي نفس المبدإ وكان حريصا دائما على سماع الآخر بدون أحكام مسبقة أو حسابات ضيقة يحرص على توسعة دائرة المشترك ويعمل على العقل الجمعي».
وحول تصورات وتوجهات السيد حمادي الدينية أضاف السيد عبد الدايم النومي «عرفته في المجال الإسلامي من خلال العديد من اللقاءات الفكرية والتربوية والعلمية وكان دائما المطالعة يقرأ خاصة كل ما هو مستحدث و يدعو إلى تأصيل وإعادة قراءة القرآن وعدم الاكتفاء بالمذاهب وذلك لضرورة تحديث المفاهيم وجعلها تساير الواقع المعاصر دون المساس من الثوابت».
أبرز شيمه
«كان سي حمادي يأخذني إلى مستشفى فرحات حشاد بسوسة مرة كل ثلاثة أشهر للتبرع بالدم وعندما أسأله لمن نعطي دمنا يقول لي إنه لنفس بشرية هذا دورنا أن ننقذ نفسا بشرية».
وحول معاملاته الاجتماعية أضاف السيد عبد الدايم بالقول: «كان محبا لفعل الخير حتى أني عندما كنت في المستشفى سنة 2009 جاء لزيارتي ومد لي مائة دينار اقتلعها من قوت عائلته وكان رؤوفا بالفقراء والمساكين».
ابنتاه معطّلتان عن العمل
سي حمادي أب لثلاثة بنات الآن متزوجات وقد أنهين دراستهن في اختصاصات الإعلامية والاقتصاد والتصرف، اثنتان منهن لم تتحصلا إلى الآن على أي وظيفة رسمية. وحول ما يشاع عن ممتلكات سي حمادي أكد السيد عبد الدايم أنه لا صحة لإشاعات امتلاكه يختا أو عمارة بشط مريم وغيرها من مظاهر البذخ مضيفا بالقول «ولد سي حمادي سنة 1949 في حي شعبي بالمدينة العتيقة «البلاد العربي» مع أختين(سميرة وبهيجة) وأخوين (سليم والهاشمي) توفي منهم اثنان كان أبوه يعمل حلوانيا ولذلك كان شديد الحب للحلوى وللفطائر بالعسل وعاش حياة بسيطة وبقي كذلك، نشأ على قيم التواضع وليس من المتلهفين على المال فشخصيته قنوعة جدا وشفاف في معاملاته... نظيف اليد هكذا تربى وهكذا استمرّ وكان شديد الشفقة على ضعفاء الحال طيب القلب وأستغرب من الذين يريدون إلصاق التهم به حتى أن البعض اتهمه بالضلوع في تفجيرات سوسة والمنستير سنة 1987 في وقت أن سي حمادي لا يتجرّأ على قتل ذبابة».
ودرس الجبالي مرحلته الابتدائية بمدرسة «الباب الجبلي» والثانوية بمعهد الذكور ثم التحق بإحدى جامعات العاصمة لدراسة الهندسة متما دراسته العليا بفرنسا تحصل إثرها على شهادة مهندس أول في الطاقة البديلة وخاصة الطاقة الشمسية عاد بعدها إلى تونس مؤسسا شركة «سو فات» من مهامها تركيز مشاريع التسخين المركزي.
وبشهادة من عمل معه كان السيد حمادي يشرف على كل شيء بنفسه شغوفا بالعمل الميداني لا يريد البقاء في المكتب، حريصا على تكوين وتعليم فريق عمله قائلا لهم «تعلموا واتركوا ستحتاجون غدا ما تتعلمون اليوم».
نشاط... فمحاكمة
والمعلوم أن الجبالي نشط في الحركة الإسلامية بتونس منذ ثمانينات القرن الماضي وبرز اسمه على الساحة السياسية خلال سنة 1981 إثر اعتقال ومحاكمة القيادات التاريخية لحركة الاتجاه الإسلامي في أواخر عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، انتخبه مجلس الشورى سنة 1982 رئيسا لحركة الاتجاه الإسلامي إلى غاية 1984 تاريخ إطلاق سراح قياداتها ليصبح الجبالي عضوا في عدد من هياكلها مثل المكتب التنفيذي والمكتب السياسي ومجلس الشورى.
وكان توليه رئاسة التحرير جريدة «الفجر» الناطقة باسم الحركة وراء محاكمته سنة 1990 على خلفية نشر مقال كتبه الشيخ راشد الغنوشي ومقالات أخرى كان نظام بن علي يرى أنها تنال من مؤسسات الدولة وتحرض على العصيان بالإضافة إلى محاكمته مع قيادات الحركة بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخصة ومحاولة قلب نظام الحكم وحكم عليه ب 16 سنة سجنا حتى أطلق سراحه سنة 2006 .
وحول موقف أنصاره من حزب حركة النهضة في الجهات تجاه مبادرته السياسية أكّد السيد عبد الدايم -بحكم قربه منهم - أن مبادرة سي حمادي ستكلفه غاليا قد تجرده من منصبه القيادي بالحركة ويبقى مجرد عضو في الحزب لا غير رغم أنه غلّب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية وعرف بذلك التوجه منذ التحاقه بالحركة ويرى أن الحزب يجب أن يكون في خدمة الوطن لا العكس وأعتقد أنه رجل المرحلة ويتمتع بكل شروط الزعيم السياسي الكفء وعلى الجميع تأييده».