تونس «الشروق»/ فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي لم يقف الجدل ولم تتوقف المعلومات المنسابة من أهل الاختصاص في القانون الدولي العام وفي العلوم السياسية حدّ الوقوف والتوقّف عند محطات تاريخية، أو عند مقارنتها بالواقع السياسي الدولي، الذي أجمع الحاضرون في المائدة المستديرة بكلية الحقوق والعلوم السياسية على أنه واقع غير مفهوم تعمّه الطلاسم والتناقضات، بل تواصل الجدل مساء الجمعة الفارط في رحاب الكلية، حول مقارنات بين ما حدث للعراق وما لم يحدث لاسرائيل الغازية والمالكة لأسلحة دمار شامل.. وقف المحاضرون، ودون كثير كلام ولا شعارات أو شماعات المؤامرة التي عادة ما ينعت بها العرب من قبل الغربيين الموالين لاسرائيل وقف جميعهم على مظاهر مخيفة فيها «السّابقة» كما التأسيس لشيء، لكن هذا «الشيء» هو الخطأ وهو الكيل بمكيالين وهو اللاّعدل الذي مقته ميثاق الأممالمتحدة ودرأت أخطاره اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والبروتوكولين الملحقين لها في 1977 . الحياة الدولية والعلاقات الدولية وبؤر التوتر على كثرتها في عالمنا اليوم، ليست بلا سند قانوني، أو هي مستجدّ لا يجد له في القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة حلولا، بالعكس، يقول الأساتذة المحاضرون، بل سوء استعمال القانون، والتخلي الطوعي عن المنتظم الأممي في الحالة العراقية وتغليب منطق التحالف مع اسرائيل على منطق الشرعية الأممية، هما اللذان ساهما في الوضع الذي وصلنا إليه وهو وضع أول من يبعث فيهم الحيرة هم رجال القانون والخبراء في المجال. السيد منذر بلحاج علي أستاذ مساعد في العلوم السياسية شدّد في مداخلته على مسألة الاحتلال. فقد ظنّ الجميع ان زمن الاحتلال قد ولى، لكن يحدث أنه في زمن تراجعت فيه الحرب الباردة والتنافس القطبي، أضحى الاحتلال وكأنه قدر حتمي على شعوب دون أخرى. على هذه الوتيرة وانطلاقا من حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، المبدأ القانوني الذي يكفله القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، تحدث السيد منذر بلحاج علي وكان ذلك هو المدخل في محاضرته التي ألقاها مساء الجمعة بالفضاء المذكور. وتحدث المحاضر في شكل ممزوج بين أحداث العراق المتواترة بين الساحة العراقية ورحاب الأممالمتحدةوواشنطن مقرّ البيت الأبيض، عن قرار الاحتلال الاسرائيلي ضمّ القدس ومسألة التغيير الديمغرافي والمستوطنات وهي كلّها مظاهر احتلال تعرّضت إلى النقد والتنديد من قبل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي عملية تشبيه قصد الوقوف على مظاهر تبعتها اليوم في الخطاب السياسي بسياسة المكيالين والوزنين، قال الأستاذ منذر بلحاج علي إنه لا تمرّ 48 ساعة الآن بدون الحديث عن أسلحة الدمار الشامل بخصوص الملف العراقي، وهو حديث ملفوف بتساؤل: هل توجد أسلحة الدمار الشامل بالعراق أم لا توجد. ومن هنا ربط المحاضر دون أن يتوقف على أسلحة الدمار الشامل التي تملكها اسرائيل وهو الملف كما البلد، المسكوت عنهما. واستشهد بتصريحات مسؤولين غربيين سواء أمريكان أو بريطانيين بالخصوص، حول الموضوع.. واستشهد بلحاج علي بمقولة تشير إلى الوضع الدولي الحالي ومعناها أن «القديم مات ولكن المولود الجديد لم يولد بعد»، في اشارة منه لتشبيه الحياة الدولية اليوم التي يرى الأمريكيون أو البريطانيون ان قرارات الماضي وميثاق الأممالمتحدة، قد لا يكونان مؤهلين للاجابة عن استحقاقات حالية، منها الحرب الأخيرة على العراق التي كانت خارج نطاق الأممالمتحدة، وكيف أن العالم الجديد بضوابطه ونواميسه لم ير النور بعد. وأضاف في موضوع أسلحة الدمار الشامل في العراق، أنه كلما ازداد الحديث عن هذا الملف كلما تأكدنا ان الأسلحة غير موجوة. وذكر كيف ان الاحتلال محرّم قانونيا وفي ميثاق الأممالمتحدة، شأنه شأن اللجوء إلى القوة. وتساءل بشكل عرضي: هل القانون مازال موجودا أم هو تبدّل؟ في إشارة منه إلى أن القانون الدولي يحرّم الاحتلال، مستذكرا مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير. وهنا أشاد الباحث بمواقف الجمعية العامة للأمم المتحدة التي طالما ناصرت طوال الخمسين سنة الماضية حق الشعوب في تقرير مصيرها ودعمت الاستقلال وندّدت كثيرا بحالات الاستعمار وساعدت عددا غير بيسير من شعوب الأرض على نيل استقلالها. من جهة أخرى كشف السيد منذر بلحاج علي النقاب عن الموقف الأمريكي من الأممالمتحدة، حين قالوا في بداية الأزمة حول العراق انهم (الأمريكيون) ليسوا بحاجة للأمم المتحدة وأنه بوسعهم والعالم على ما هو عليه، أن يدخلوا حربا خارج اطار الأممالمتحدة، لكن الأمريكيين ما لبثوا وتحت تزايد العمليات التي تقاوم وجودهم كاحتلال في العراق والنقد المتواصل الذي تتعرض له الادارتان الأمريكية والبريطانية، حول زعمهما امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، ما لبثت الدولتان تناديان الآن بعودة الأممالمتحدة إلى العراق بل ان ادارة الرئيس بوش طلبت من الكونغرس تسديد مستحقات المنظمة الأممية لدى واشنطن مع اضافة مليار دولار للأمم المتحدة حتى تحسّن وتهذّب بنايتها في نيويورك. وأضاف في أسلوب فيه المقارنة والتعجّب: «يحصل الآن، أن تقول واشنطن اننا سنعيد السيادة إلى العراق متى طلبت منا الأممالمتحدة ذلك وبالطريقة التي تريد. أما بخصوص المنتظم الأممي وما يمكن أن يبتّ فيه من قضايا مطروحة، فقد تحدّث الباحث عن مجلس الأمن الدولي بصفته الجهة الشرعية المخوّلة للبتّ في أي مسألة دولية. وهنا تخلّص المحاضر إلى مسألة الجدار (جدار الفصل العنصري الذي تقيمه اسرائيل عنوة) وكيف وصل الملف إلى محكمة العدل الدولية، لطلب رأي استشاري، مبينا انها المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي التي يتوفق فيها الطرف العربي إلى ادراج قضية تجمعه بالاحتلال الاسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية. كما ان الباحث شدّد في ذات القضية، انها المرة الأولى التي تجمع قضية أمام محكمة العدل الدولية كل هذا التأييد الدولي، حيث شدّد على أن عدد الدول المساندة لادراج القضية في مستواها الاستشاري طبعا أمام محكمة العدل الدولي تنامى وتزايد ويعتبر عددا كبيرا بالمقارنة مع قضايا وملفات أخرى لم تنل كل ذاك الحشد والتأييد. وذكّر السيد منذر بلحاج علي كيف أن ميثاق الأممالمتحدة حرّم ومنع نصّا اللجوء إلى القوة، مشيرا إلى أن أهل الاختصاص في مجال القانون ظنوا أن القرار 678 الذي تمكّن وفقه التحالف الثلاثيني بقيادة الولاياتالمتحدة من اعلان الحرب على العراق، وكان رجال القانون يعتبرون أن القرار كان فريدا، لكن بعد 13 سنة من تاريخ اصداره يسجل الباحث كما التاريخ الأممي، 49 ترخيصا للجوء إلى القوة. وكشف النقاب في عملية تذكير بمبادئ القانون ونصوص الميثاق الأممي عن أن الدفاع الشرعي عبر اللجوء إلى القوة ينتهي عندما يتدخل مجلس الأمن للنظر في القضية. لكن السيد منذر بلحاج علي شّد في المحصلة، وبعد المقارنة بين الفعل الاستشاري الذي رفع إلى محكمة العدل الدولية في خصوص فلسطين و»ناميبيا» من قبلها، على أن في الأمر تشبثا دوليا بالقواعد القانونية الدولية، وبالأممالمتحدة وان الدول في أغلبيتها الساحقة، متعلقة بالقاعدة القانونية المعمول بها. وإلى حلقة أخرى: هذه هي الروابط الحقيقية بين قضيتي العراق وفلسطيني