ليتهم يعرفون انّ المدائن التي لا تتقن غير الصمود هي التي ترسم في الشمس حكاية الباسلين وأن الطفولة التي تشرق في مدى الحجر هي التي تكتب في دفاترنا فصولا من نبض الظافرين ليتهم كلّ مرّة حين يمرّون ويمضون يذكرون أن هذه الأرض لا تعرف غير احتضان الشهيد وترديد صوت الثائر العتيد وأن شمسها التي تكفهرّ تعد أعداءها بالهجير ليتهم الآن يراجعون حسابات السنين ودفاتر الأيام وأوراق الحنين حتى لا يصدّقوا بعد الآن مثلما صدّقوا من قبل بأن هذه الأرض تترك لهم أشجارها.. وشوارعها.. وأولادها.. وألوانها.. وأقدارها.. وشموخ الطريق.. وحتى لا تكبر في أعينهم أكذوبة الأوهام وغلظة الأساطير بأنّ الربّ اصطفاهم وأن العودة ميثاق وميعاد إلى فلسطين.. ليتهم يعرفون أن الشهيد إذا مضى تولد من رحم أمّه تلك الألوف من فجرنا الآتي إلى اكتمال السنين ليتهم يعلمون أننا نعرف جبنَ عتادهم.. ورصاصهم.. ورُعونة جندهم وأنهم يرهبون الصبيّ إذا امتاز بأحجاره وأنّ لعنة التاريخ والأزمات تطاردهم كمن سبقهم تحت سنابك خيل حطّين ليتهم يتعلّمون من حدود خشيتهم دروس الزمن وعبر السابقين واللاحقين حتى يعلموا أنّ الطريق إذا استوفى ذرّاته باق.. وأن الواقفين في وضح الجرح هم الذين يجتازون مقاديرهم ويعلنون أن النصر وشيك ليتهم يعرفون ما جهلوه قبل الآن أن التاريخ دروس وأبقى الدروس أكثرها مرارة ووقع أليم.. وأن نهاية الظالمين الحاقدين نعرفها كلّنا كبيرنا في حقله وصغيرنا في المهد جنين ليتهم يقرؤون وصية الثائر الى طفله بأن يمعن الثأر وأن يعلن مولد صوته ليصير نغما هادرا تضجّ به أصوات العابرين ليتهم يقرؤون وصايانا بأننا لا نترك أرضنا.. ولا أشجارنا.. ولا ذرّاتنا.. ولا نذرف الدمع الهتون في وداع الشهيد ليتهم يعلمون أن خطاياهم تؤثث جرحنا تمنحه العنفوان وأن الصبر مرايا نفوسنا وميثاقا أكيدا.. ليتهم يعلمون أيضا أننا لا نكفّ عن الحجارة أطفالنا رغم مواسم الشهداء وأصوات الأنين.. وأننا نعدق حمائمنا رغم هول نكبتنا والجرح العظيم.. ليتهم يدركون أن أرضنا لا ترتدي غير أثوابنا واخضرار فصولنا لا تعرف غير أشواقنا عنوانا للطريق.. لا تعرف غير أحداقنا.. مرايا للحنين.. تلك شراذم تغتال براءة الزمن وبسمة الفجر الوليد هم كل هذا وذاك من تفاصيل الشرور وألوان العابثين.. تلك وجوه جاهزة القهر لا حلم في صوتها لا ورد في شكلها غير أنها تمضي صوب الهشيم ككل الراحلين.. * حطين : موقعة فاصلة وحاسمة هزم فيها صلاح الدين الأيوبي الصليبيين.