هذه حكاية عائدة... فلسطينية الوشم والذاكرة عربية الاحداق والضفيرة والضحكة النافرة... لم تكن تعرف في مدى الحكاية أكثر من دفاترها وورود ضيعتها تجالس في وضح الشمس رفيقتها وفي حضن النجوم حكايات جدّتها كانت صبية سمراء تفتح للفجر نافذة وبداية وتغري الزمان بمواعيد ضحكتها هكذا عائدة نعرفها تمرح في مدائنها تحترف براءة الاعوام وتؤثث بالشوق أصناف بهجتها لم تكن عائدة تعرف أكثر من طفولتها لم تكن تدرك كيف جاؤوا الى الضيعة... والمخيّم... وقرية تؤرخ لمولدها لم تكن تعرف كيف جاؤوا بملء الموت والاحقاد يزفّون الوجع الاكبر الى جوف النهار وشكل أقدارها لم تكن تعرف كيف استباحوا مدينة الله تحت سنابك الغدر والخديعة ومؤامرات قادمة بعرض البحار الرمادية وكل الالوان والاطياف والرياح السيئة... عائدة السمراء... عائدة الصبية... عائدة الفلسطينية... عائدة العربية... كبرت في حضن الدماء والاشلاء أدركت في نهاية الامر أقدارها... ومأساتها... وضياع الذاكرة... في مراسم موتها... أدركت أن المكان نار... وأن الزمان نار... وأن المدينة التي تذكر مشيتها ولهوها... وصباها... لم تعد مثلما كانت أقحوانا... واخضرارا... وخرير المياه في جداولها لم تعد غير هشيم ونعيا يوميا لمواكب قتلاها أدركت عائدة كيف ضاعت فلسطين رغم بسالة طفولتها كيف اكتوت بذاك السعير ورصاص من يريد مصرعها صاحت عائدة صاحت... وأطلقت في الليل صرختها وعاودها الشوق الى فتيات الضفة ونابلس... وجنين... صاحت عائدة صاحت... ولم تكن تملك غير صيحتها وهي التي تشهد كيف اغتالوا إخوتها ووالدها... كيف اقتلع الحاقدون ربيع ضيعتها... وعلقوا في كل مشنقة أشلاء فرحتها كيف أحدق قتلة الليل بالبيت الصغير... والشارع المنسيّ... وتراب الجليل... وبيت لحم... وذرّات دروبها... هكذا عائدة الآن تعرف ألوان مأساتها تلك الصغيرة السمراء... الفلسطينية... العربية... الموعودة بالصبر والحنين خلف بريق أحداقها صامدة يا عائدة مرفوعة الرأس شامخة البأس هي فقط... تعرف شموسها... وشموعها... ولهفة عشّاقها... هي فقط... عائدة الامس واليوم والغد عائدة كل الازمان آتية صوب فجر جديد تلهب بالثأر أنفاسها صامدة يا عائدة مرفوعة الرأس شامخة البأس تلك الصغيرة السمراء... الفلسطينية... العربية... لم تغيّر مع الايام ميثاقها لم تغيّر صوتها... وصرختها... ومهجتها... فمازالت تؤثث بالشوق مدينتها وتفتح للفجر نافذة وبداية تعشق أن تموت شهيدة والبندقية في حضنها بعد أن تكون صوبت أول طلقتها... عائدة... من مراسم الموت تأتي من براثن القتل تمضي أغنية نعرفها... قصيدة نرددها... نشيدا صباحيا جميلا وشدوا مسائيا حزينا تلك الصبية السمراء... الفلسطينية... العربية... تمضي ثم تأتي نحن هنا الباقون نذكرها... سنذكرها... عائدة... لمن أصبح يعرف حكايتها أفلتت من محنة الازمان علّمت التاريخ حكمتها رسمت نصبا ووشما في دفاترها... لم تغلق الابواب دون عودتها صارت الآن قصيدا أجمل... ونشيدا أجمل... غير حب فلسطين... ونبض فلسطين... وحصار فلسطين... عائدة... لمن أحبّ قصتها ما أفلحت نعال الجند البغيضة في وقف انتفاضتها ما أفلح المدججون هناك في هزم بسالتها وبرغم التيه والتشريد وأنين المخيّم الرابض فوق جبينها ظلت عائدة قدّيسة الارض تعد الاطفال بنبوءة أحجارها تعدّد الامنيات في أفواه جيرانها عائدة... يا نبضنا الموعود بالنصر... الموسوم بالصبر... جرت في كل الشوارع فتحت كل المدائن تطرق بالحنين أبوابها هلمّوا الى النصر الوشيك لا تغفلوا موعدكم... لا ترهبوا عدوّكم... فالارض تهتف اليوم بأبطالها عائدة التي فتحت طريقا الى المجد وآخر للظفر... هنا الآن تظل أمّا وحبيبة... وأختا... وجارة... وصبية سمراء... فلسطينية... عربية... فمن يجهل بعد الآن أقدارها؟ ومن يجرؤ على نسيانها؟ وهي التي علمتنا شكل المصير وصحوة أشجارها عائدة التي مضت بأسا وعادت شعرا وشوقا وذاكرة نرتادها عائدة التي تعلمت من جروحنا العاتية ومآقيها النازفة كيف تجعل الحجر المقدّس آية في نبضها... كيف تضع في يدها زيتونا وفي الأخرى... بندقية عتيقة الصمود لملحمة غدها... وكيف تعيدُ الى ناي الرعاة أشواق قريتها يا عائدة النصر... والفجيعة... والوجد... ورصاصة غاضبة تتقن الاقلاع نحو طلقتها لن تركع هذه الارض لن يخضع ربيعها لسطوة جلادها لن تقفر مدن الزيتون لن تهرم شراذم الجبن والقهر غير أحجارها... تلك وصية تعرفنا ونعرفها وميثاق عائدة والعائدين