لا يمكن النظر الى الكلمة، الموقف التي طالع بها السيد حمادي الجبالي، شعب تونس، مساء أمس، إلا من منظار أن البلاد تعيش أزمة. أزمة عمّقتها عقلية التجاذب الحزبي والمحاصصة على كراسي السلطة، في حين تُركت أهداف الثورة جانبا، وبقي الشعب مقصى من الحياة العامة والمشاركة في السلطة.
لقد اعترف رئيس الحكومة المؤقت بفشل التجربة التي قاد، وفقها، حكومة متحزّبة من ألفها الى يائها، واعترف كذلك بفشل مبادرته المتمثلة في تشكيل حكومة تكنوقراط.. قد تكون لهذه الكلمة وقع على نفوس التونسيين، من حيث أنها وضعت الأصبع على الداء، لكن هذا التمشي لا يكفي، فضروري أن تتحمّل الطبقة السياسية مسؤولياتها التاريخية.
هذه لحظة أزمة في البلاد على جميع المستويات، على الجميع أن يبحث عن الحل المناسب، عبر الحوار الوطني الجامع.. لا المفرّق. الشعب التونسي يستحقّ مصيرا أفضل من الذي آلت إليه الأحداث ما بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
لقد ظنّ شعبنا، أن الثورة قضت نهائيا على مظاهر التكالب على السلطة وعلى الامتيازات من قبل المسيّرين للشأن العام، كما ظنّ شعبنا أن الثورة قطعت مع مظاهر إعلاء الحزب على الدولة، وإعلاء الأهداف الحزبية الضيّقة علي الأهداف الوطنية السّامية.
إن التجربة المؤقتة في الحكم ما بعد 23 أكتوبر 2011 والتي أعلن رئيس الحكومة أمس عن فشلها، هي تجربة تحمل الكثير من السلبيات في نظر التونسي.
إذا لم يعقب الإقرار بالفشل إعلان عن بدء عملية تشخيص حقيقي وموضوعي لهذا الفشل، فإن تونس ستغرق في أتون المزايدات والضبابية، وسيغرق معها الشعب الذي أنجز الثورة خارج نطاق هذه الأحزاب، في بئر سحيق، لأن ما لمسناه من الحوار بين رئيس الحكومة والأحزاب، لم يكن فيه إعلاء للوطن على الحزب، مهما كان هذا الحزب، بل رصدنا تغليبا للمنطق الحزبي على المنطق الوطني.
الاعتراف بالفشل شجاعة، ولكن معالجة هذا الفشل وتحمّل المسؤولية الوطنية من الجميع، يعدّ قمّة الشجاعة. بقي أن الشعب التونسي الذي صبر وكابد الويلات من سلطة الاستعمار الى سلطة الحزب الواحد وصولا الى سلطة الأحزاب المتصارعة على اقتسام الوطن الذي صوّره أحد الحكام كعكة، يستحقّ أن يقف القائمون على الشأن العام، أمامه، ليصارحوه بالحقائق، وليقدّموا له الاعتذار على:
تأخير رزنامة الانتخابات وموعدها. التراخي في كتابة نصّ الدستور. فالاعتذار من شيم الكبار..