بكل المقاييس، فإن المبادرة التي صمّم عليها ويمضي في تنفيذها السيد حمادي الجبالي والقاضية بتشكيل حكومة مصغّرة من غير الكفاءات الغير متحزبة تبقى مبادرة جريئة وتستحق من الوطنيين في كل الأحزاب وخارجها الدعم والتأييد... لأنها ببساطة تبقى بارقة الأمل الأخيرة... ونقطة الضوء الوحيدة التي يمكن من خلالها أن نرى نهاية النفق. ولنتفق منذ البداية... السيد حمادي الجبالي ليس من المعارضة حتى نقول انه يكيد للسلطة ويضع لها العصا في العجلة... وهو ليس من الوجوه التي يمكن أن تلصق بها حقا أو باطلا أية تهمة من قبيل الانتماء الى «الأزلام» أو الى «الساعين الى اعادة التجمع المنحل»... كما أن الرجل عرف برصانته واتزانه في اتخاذ الخطوات والقرارات... كما أنه ابن حركة النهضة ومن القيادات التي أمضت سنوات طويلة في السجن ولا يمكن ان يداني شك ولا ريبة انتماءه للحركة أو عقيدته الحزبية وقناعاته السياسية... وفوق هذا فقد امضى اكثر من سنة على رأس السلطة... موقع مكنه من الامساك بدواليبها وملامسة تحدياتها ومصاعبها ومشاكلها في فترة استثنائية تعيشها البلاد... وتتميز بالخصوص بتراكم جبال المشاكل والطلبات والأزمات والاضرابات والاعتصامات والتي يقابلها شحّ الموارد والامكانات... وكذلك اهتزاز مؤسسات الدولة وبخاصة المؤسسة الامنية التي لم تتعاف بعد ومازالت تطالب بالغطاء القانوني اللازم لممارسة عملها دون مخاوف وبتحسين ظروف عمل الاعوان وتمكينهم من التجهيزات اللازمة وكذلك تحسين ظروفهم المادية حتى ينطلقوا الى عملهم الجبّار في اطار من السكينة والطمأنينة...
وكل هذه المعطيات والأوضاع مكنت السيد حمادي الجبالي من تشخيص امراض تونس بما فيها مشاكل الشعب التونسي وانتظاراته... ومشاغل الطبقة السياسية وطلباتها... وبما فيها أيضا ما يفرضه منطق الدولة وما يطلبه ترميم هيبة الدولة وتحسين صورتها في علاقة بشركاء تونس من دول ومنظمات اقليمية ودولية، وهو تشخيص ما فتئ السيد محمد الجبالي يرسل الاشارات والرسائل بشأنه.. إشارات ورسائل تفيد بفشل التجربة حتى الآن.. وبمسؤولية الحكومة التي يرأسها في هذا الفشل حيث لم تتمكن رغم إنجازاتها التي لا ينكرها أحد من أحداث الاختراق المطلوب وخاصة من الارتقاء فوق الألوان السياسية والمحاصصة الحزبية لتكون حكومة كل التونسيين ولتخدم أجندة كل التونسيين.. والمنطق السليم يفرض وفق هذا التشخيص أن يتوقف المرء لاتخاذ القرار اللازم في اللحظة التاريخية المطلوبة لتعديل المسيرة والمسار بما يضمن إنهاء المرحلة الانتقالية بأخف الأضرار والعبور بالبلاد الي الوضع الدائم.. وهو تحديدا ما عمد إليه السيد حمادي الجبالي.. بكل جرأة وإصرار.. حتى وإن بدا أنه يخرج من جلباب النهضة وهو ابنها الذي لا يمكن أن يتنكّر لها فإنه سيلج حتما خيمة الوطن وسيلتقي فيها بكل التونسيين وبكل العائلات السياسية..
لأجل هذا فإن مبادرته تستحق الدعم.. ووضع تونس خاصة في ظل التجاذبات التي انتهت باغتيال الشهيد شكري بلعيد يفترض أن يستنفر ا لجميع ويستنفر كل القوى للتكاتف وتوحيد الجهود لإنجاح هذه الخطوة وتنقية الأجواء وتحييد كل الشوائب لنمضي الى استحقاقات الوضع الدائم ونقي بلادنا كل الشرور التي أطلّت برؤوسها القبيحة.. ليحمينا منها اللّه ويحمي شعبنا وبلادنا من شرورها.