تبين لنا في الحلقة الماضية الدور الذي لعبته الزوايا وأقطابها ومريدوها في تشكيل الهوية التونسية انطلاقا من العصر الحفصي 1227م.. 1535م.. فقد حفظت هذه الزوايا الدين والاخلاق ونسجت العلاقات الانسانية بين افراد المجتمع وسهرت على ضمان السلم والاخاء بين الناس.. . وكان شيوخ مختلف الطرق التي تعددت وتنوعت يقفون على حل المشاكل بكل انواعها ويشاركون الناس افراحهم وأتراحهم.. وظلت الزاوية على مر العصور قبلة المحرومين والفقراء والبائسين.. فحمت الناس من الهلاك ومن الخصاصة. ومن الموت جوعا.. وان اختلف مشائخ الطرق في المكانة والقوة والتجذر من شخص الى اخر ومن جيل الى جيل فانه لا بد من التذكير مثلا بالشيخ عرفة الشابي الذي لا يزال له اتباع في تونس والجزائر وهو من هو علما وورعا وقوة فقد وصل به الامر ان قاوم السلطة المركزية الحفصية والاسبان المحتلين للبلاد حيث استنكر استنجاد الحسن الحفصي بالاسبان لحمايته من الهجومات العثماني.. فجند القبائل وأعد جيشا كبيرا ووقعت له مع الجيش الاسباني معارك اشهرها معركة المنستير وانتصر فيها. على الاسبان .كما انه احتل مدينة القيروان واقام فيها سلطته قوية استمرت قرنا.. وهي ظاهرة فريدة في عالم الصوفية والتصوف جدير بنا التوقف عندها ولو بايجاز.. ولكن يبقى الدور الاجتماعي والعلمي هو الاساس.. فقد كانت كل الزوايا والمقامات مدارس لتعليم اصول الدين والاداب والاخلاق.. وللذكر وليس للحصر فان زاوية سيدي عياش بمدينة طبلبة بالساحل التونسي كانت تضمن السكن لطلبتها من تونس والجزائر والمغرب.. ومثلها زاوية سيدي تليل بفريانة بولاية القصرين وبزاوية جمال وام الزين الجمالية هي حفيدة سيدي تليل.. وكانت تقيم المادب.. الزردة.. اسوة بجدها.. اضافة الى تعليم الناس اصول الدين.. كما لا ننسى التذكير بالزاوية المدنية بقصيبة المديوني التي اشتهرت بحلقات الدرس في العلوم الاسلامية وبالاذكار المولدية الشهيرة.. وكذا زاوية علي بن خليفة المساكني الذي كان عالما كبيرا وتعلم بالزيتونة مع صديقه احمد العجمي بالمكنين وانتقلا معا الى القاهرة للدراسة بالازهر اسوة بشخيهما وقدوتهما العلامة ابي الحسن علي النور الصفاقسي.. والدور العلمي والمعرفي لزاوية اللخمي بصفاقس والنحوي التوزري بمنطقة الجريد.. حيث صارت توزر ونفطة تلقبان بالكوفة والبصرة بافريقية.. وحتى بعد الاستقلال لعبت هذه الزوايا دورا هاما لمعاضدة المشروع الوطني لاصلاح وتعميم التعليم في عديد الجهات فكانت تستخدم كفروع للمدارس الابتدائية الى ان تمكنت الدولة من ضبط الموازنات الموازنات والتمكن من انجاز عملية تعميم المدارس بهدف تعميم التعليم.. بالشكل الذي نرى اليوم.. وفي الحملات المنظمة للقضاء على الامراض المعدية وغيرها وتنفيذ سياسة التلاقيح ضد عديد الاوبئة والامراض الفتاكة التي لازم اهلنا على مدى الازمان.. لم يكن هناك افضل من هذه المقامات لاحتضان هذه المبادرات الشعبية الكبرى التي اسهمت جميعها في تحسين الصحة العامة والقضاء على عديد الامراض التي كانت متفشية مثل الفرطسة وغيرها.. لذلك فان لهذه المقامات والزوايا الدور البارز لخدمة اهل تونس فتشكلت صلة عظيمة ترسخت مع الايام وتوطدت أركانها وصار الاسلام في تونس يرى ويمارس من خلال هؤلاء الاعلام الأجلاء.