حدث ذلك الحادث السعيد في البرنامج الاذاعي العتيد الذي يقدمه اسبوعيا المنشط حاتم بن عمارة وتحديدا مساء السبت 7 فيفري الجاري. خلت منذ الوهلة الاولى ان الامر لا يتجاوز «فزورة» افرزها عازف الارغن الكهربائي الفنان الشاب بلحسن فرزة الذي طرح سؤالا علميا على مستمعي ذلك البرنامج يحوم حول اسماء العود العربي الأصيل في اللغة الفيتنامية وفي بلاد الواق الواق اي اليابان اليوم Le japon . وكان من المنتظر ان يهتدي اي مشارك في تلك المسابقة الخاصة ببرنامج حاتم بن عمارة.. لنغني للحياة... الى الحل الصحيح ذلك ان السؤال يعد لغزا تحار في حله البرية. فهل من الذوق في شيء ان نطرح مثل تلكم الاسئلة الاعجازية في برنامج ترفيهي يصل الامتاع بالمؤانسة؟ وهل من الحكمة في شيء ان نسأل عن اسماء العود العربي الاصيل في اللغات الفيتنامية والجابونية؟ (Niponne). اما العجب العجاب فقد ورد على لسان صاحب الفزورة بلحسن فرزة الذي تفتق خياله الفني الخصب فأنجب اسطورة تروي موقف «تنوخ بن الموشحل بن لامك بن آدم» الذي رفض دفن ابنه بعد وفاته، اثر سقوطه من جواده وظلت جثته معلقة على اغصان الشجرة الى ان تآكلت جراء لهيب اشعة الشمس المحرقة ولم يبق منها الا الضحك فاتخذ منه (قصعة العود) والرجل ذراع العود في ما حول اصابع الرجل الى مفاتيح تعدل اوتار العود وهي عروق الجنة. لله درك ولا فضّ فوك! يا صاحب الفزورة التي افرزها ابو الحسن فرزة وحرص من باب الامانة العلمية على ذكر مصادرها المعيارية!!! فأي مستمع قادر على الاتيان بمثل هذه المعجزات وقديما قال ابو العلاء : وإني وان كنت اخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل لكن هيهات ان يكون بلحسن فرزة صاحب الحل فقد نقله عن بعض الاساطير التي مازال يرددها بعض الدكاترة من العباقرة وقد فاتهم ان آلة العود هي آلة وترية عربية اصيلة رغم وجود صورها منقوشة في جداريات فسيفسائية بمتاحف دار السلام بغداد ويعود عهدها الى الحضارة الآشورية والأكادية والبابلية وفق الباحث الحصيف الاستاذ العراقي صبحي انور الرشيد. * العود العربي يغزو أوروبا وإذا قال ابو العلاء المعري وما اعجب إلا من راغب في ازدياد فإن ابا الحسن فرزة مازال ممعنا في الايغال والإيهام والابحار في بحر الإبهام عندما تبنى تلك الأسطورة التي ظلت تتأرجح بين التخمينات السفسطائية وضحالة التهويمات المخيالية. ثم ما لبث ان اتحفنا بلفظ «بيبا» Pipe وهو المصطلح الفيتنامي لآلة العود العربي وهكذا تمخض الجبل فأنجب فأرا لأن البيبا هي الغليون اما كان من الأحرى ان يسأل عن اسماء العود العربي في البلاد العربية وذلك اضعف الإيمان خاصة وأنها تختلف اصطلاحا وحجما وتعديلا لأوتارها من بلد الى آخر؟ من ذلك الكويترة بالجزائر والسنيتر بالمغرب! اما كان اجدر ان يتحفنا بأسماء العود في البلاد الاوروبية خاصة وانها مشتقة من اللفظ العربي (عود) لتحول الى لوطة او لوط او لودا في اللغات الفرنسية والانقليزية والايطالية والاسبانية وهي اللغات المتداولة في البلاد العربية؟ هل نسي بلحسن فرزة ان آلة العود قد غزت القارة الاوروبية والبلاد السكندنافية انطلاقا من الاندلس الاسبانية حيث سادت الحضارة العربية الاسلامية بنور العرفان على امتداد ثمانية قرون ابداعا وامتاعا واشعاعا؟ كما ان الفضل يعود الى ذلك الغلام الأسود زرياب الذي غادر بغداد بعد ان عتقه ولي نعمته اسحاق الموصلي فأقام ببلادنا وتحديدا بالقيروان في عهد الدولة الاغلبية ليستقر نهائيا ببلاد الأندلس مصحوبا بعوده. الذي سيغزو اوروبا القروسطية (Médievale). * المراحل التاريخية لتطوّر العود اما عن سائب خاثر الذي ذكره بلحسن فرزة كأول عازف لآلة العود فإنه لم يعزفه اطلاقا وانما كان يعزف الموتر اي آلة خشبية في شكل عود مستطيل لا تحوي الا وترا واحدا Monocorde. ذلك ان العود قد مرّ بمراحل تاريخية تحول خلالها من موتر بوتر واحد الى مزهر وكيران وشبوط ثم عود باربعة اوتار وفق دوزنة الجهابذة ابن سيناء والفارابي والكندي Tablature في حين ان منصور زلزلي الذي ذكره بلحسن فرزة لم يضف اي وتر بل اضاف موضع إصبع الوسطى واطلق عليه مصطلح وسطى زلزل وظل العود على تلك الحال الى ان اضاف زرياب الوتر الخامس تكريسا لدراسات الفارابي وابن سيناء والكندي الذي فضلوا ابقاء العود بأوتاره الاربعة وهي البم والمثنى والمثلث والزير وفق الأخلاط الاربعة 4 Calamités وهي البلغم والصفراء والسوداء والدم ووفق العناصر الاربعة وهي الماء والتراب والنار والهواء ووفق الفصول الاربعة الشتاء والربيع والصيف والخريف Les 4 Saisons. اما في العصر الحديث فقد اضاف رياض السنباطي الوتر السادس بعد الخامس لزرياب فيما اضاف العراقي منير بشير الوتر السابع والثامن من اضافات نصير شمة. وقد اعاد منير بشير للعود هيبته وطاف به مسارح اوروبا حيث قدم عروضا موسيقية خاصة بآلة العود دون اي صوت غنائي او نجم طربي. في حين كهرب العود بليغ حمدي في تجربة وحيدة وردت في اغنية يتيمة «اي دمعة حزن لا « لعبد الحليم حافظ!! أما محمد عبد الوهاب فقد استخدم العود المشرقي ومشتقاته من الآلات الوترية الغربية مثل القيثارة Guitare الاسبانية والبالاليكا Balalaïka السوفياتية والمندولين Mandoline الفرنسية والبانجو Bango الايطالية في اغنية واحدة وهي عاشق الروح التي اداها سنة 1949 في فيلم غزل البنات حيث غنت ليلى مراد وعزفت اغنية الحب الجميل على آلة القيثارة التي كهربها الخفافيش Beattles البريطانيين واصبحت تعرف باسم قيتارة هاوايان Hawayenne وقد استخدمها فريد الأطرش في اغنية ليالي الأنس في فيانا Vienne اداء شقيقته اسمهان في آخر افلامها غرام وانتقام سنة 1944 تاريخ وفاتها دون ان تكمل الفلم الذي انتجه واخرجه يوسف وهبي. وإذا كان الفنان الشاب بلحسن فرزة يبحث عن اسماء العود في الفيتنام وبلاد الواق الواق وهي (بيبا) Pipe اي الغليون بالايطالية فهلا علم ان العود في رومانيا يعرف بالخبزة اي الرغيف؟ وهلا علم ان العود في بلادنا يسمى تونسي وانما عربي لأنه حافظ على دوزنة Tablature اوتاره الاربعة على نقيض العود المشرقي ذي خمسة أوتار. وهلا علم ان تلك التسمية تعزى لتمييزه عن العود الافرنجي وهي القيثارة الصرفة Guitare Séche التي غزت اعتى الفرق الموسيقية العربية بما فيها فرقة ام كلثوم حيث ادخلها عبد الوهاب لأول مرة سنة 1964 في اغنية «انت عمري» وهو اول لقاء بين القمتين وصف بلقاء السحاب. ومهما يكن من امر فالقيثارة هي العود العربي المتفرنج وقديما قيل بضاعتنا ردت الينا والرجوع الى الأصل فضيلة ولا يعرف الفضل إلا ذووه.